تتردد الآن العديد من الدعوات التي تطالب بإقصاء نواب الحزب الوطني "المنحل" من الحياة السياسية وعدم السماح لهم بدخول انتخابات مجلس الشعب القادمة باعتبارهم أفسدوا الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير من هذا العام. وهي دعوات يتشدد فيها ويدعو إليها بصفة خاصة عدد من الذين فشلوا في انتخابات مجلس الشعب السابقة وعدد آخر من الطامحين والمتطلعين إلي خوض الانتخابات القادمة. إلي جانب عدد كبير من الذين لا علاقة لهم بالانتخابات ويتعاملون مع هذه القضية من منظور وطني بحت وبنوايا صادقة أساسها تطهير الحياة السياسية المصرية من الانتهازيين والمتسلقين وباعة الوهم وتجار السياسة. ولكنها دعوة تكرس وتؤكد سياسات الإقصاء والإعدام السياسي القائم علي التعميم دون التقييم ودون النظر إلي المعايير الموضوعية والمواقف الشخصية. فلو طبقنا سياسة الاقصاء علي كل من كان عضوا بالحزب الوطني "المنحل" من سياسيين ووزراء ونواب بمجلسي الشعب والشوري وقيادات تنفيذية وشعبية فإننا نعلن بذلك القضاء علي جيل كامل من القيادات تولوا المسئولية في عصر كان الانضمام فيه للحزب الوطني أمرا واقعا مفروضا لا مفر منه علي هذه القيادات. ولا يجب أن ننسي في ذلك ان بعض الذين يطالبون بإقصاء نواب الحزب الوطني كانوا هم أيضا من الذين يسعون بقوة وبكل السبل للحصول علي ترشيح الحزب الوطني في دوائرهم الانتخابية ضمانا للفوز وعندما لم يقم الحزب بوضعهم علي قوائمه انقلبوا عليه وأصبحوا من المعارضين و"الشرفاء"..! ونحن في هذا لا ندافع عن الحزب الوطني الذي كان وصمة عار في جبين التجربة السياسية الوطنية المصرية ولكننا نؤكد ان سياسات الاقصاء وتصفية الحسابات والتعميم لن تؤدي إلا إلي انقسامات عميقة في المجتمع في الوقت الذي نتحدث فيه عن التغيير في مصر وعن مصر التي تفتح ذراعيها لكل أبنائها ومصر التي تتحمل وترحب وتتقبل الرأي والرأي الآخر. ولقد خرج من صفوف الحزب الوطني "المنحل" من يقودون حركة التغيير والمعارضة السياسية في بلادنا الآن. فالدكتور عمر الحمزاوي استاذ العلوم السياسية والذي يلقب بتامر حسني السياسة المصرية كان عضوا بلجنة السياسات بالحزب الوطني وزميلا للدكتور محمد كمال أمين لجنة الاعلام قبل أن يبتعد عن الحزب ويسافر إلي ألمانيا ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية ليعود الينا مع الثورة كأحد المخططين والمروجين لها. والدكتور أسامة الغزالي حرب الذي كان يشغل منصبا قياديا "بالأهرام" كان أيضا عضوا بارزا في لجنة السياسات وأوكل إليه العديد من المهام بالحزب الوطني وكان من المقربين من جمال مبارك أمين لجنة السياسات قبل أن يعلن انسحابه من الحزب ويتجه إلي تشكيل حزب الجبهة والوقوف في خندق المعارضة. وكان ابنه الدكتور شادي أحد أبرز الوجوه في ائتلاف شباب الثورة فيما بعد. وقد يكون هناك من ظلوا علي قناعاتهم مؤمنين بالحزب الوطني ومتمسكين به رغم انه قد أصبح محظورا. فهؤلاء ربما كان انضمامهم للحزب الوطني قائما علي رؤية شخصية أساسها الخدمة العامة أو انه الإطار الذي يسهل لهم مجال العمل والحركة. ولا يمكن النظر إليهم في أي مرحلة من مراحل العمل الوطني علي انهم أعداء للوطن أو حتي أعداء للثورة. فالثورة قادرة علي تجميع وجذب كل الأطياف السياسية من أجل بناء مصر الحديثة التي لا يقف فيها الاختلاف في الرأي والأيديولوجية حائلا دون المشاركة في العمل العام وخدمة الجماهير. ولذلك نحن ندعو ونقف في صفوف فتح الأبواب للجميع للمشاركة والتغيير واعتناق وتبني سياسات جديدة أساسها الوضوح والشفافية والمصلحة العامة. وإذا كنا في هذا نؤمن ان "مصر اتغيرت واحنا كمان" فإن الرأي والحكم يجب أن يكون متروكا للشعب وللجماهير في كل مكان فهي وحدها القادرة الآن علي أن تحدد مصيرها بنفسها وأن يكون القرار مملوكا لها دون وصاية أو قيود أو هيمنة من أحد. فقد أصبحت هذه الجماهير علي درجة من الفهم والوعي يستحيل معها خداعها أو التلاعب بها أو تسويق الأوهام لها. وهذه الجماهير هي التي ستحدد بأصواتها من كان فاسدا ومن كان انتهازيا ومن كان متسلقا سواء كان من الحزب الوطني أو من الاخوان أو من الوفد أو من أي كتل سياسية أخري ستدخل في صراع للحصول علي الأصوات الانتخابية. اننا نريد أن تكون مصر لكل المصريين.. مصر التي ترحب بكل مشاركة صادقة في صناعة مستقبل جديد ومصر التي تعلم الجميع معني التلاحم والتكاتف. فلن نكون أبدا في معارك للتلذذ بهدم بعضنا البعض.. ولكننا سنكون في تنافس شريف من أجل التباري في خدمة الوطن.. وهذه هي معركتنا الوحيدة. ** ملحوظة أخيرة: حكمة اليوم: مفيش صاحب صالح كله بتاع مصالح..!! للأسف..!!