مائة عام مرت علي وفاة فريد المزاوي "1913 1988".. هذا الرجل الجليل الذي لعب دورا كبيرا في حقل الثقافة السينمائية والتوثيق المبكر للأفلام المصرية الروائية وفي تأسيس مكتبة سينمائية تضم أرشيفا ضخما يحتوي علي الملفات الكاملة لكل ما أنتجته السينما المصرية من أفلام روائية منذ عام ..1927 انه الأرشيف الذي يعتبر مرجعا لكل من عملوا في مجال النقد والبحث السينمائي.. فلا يوجد ناقد أو باحث مهتم بتاريخ السينما المصرية لم يمر علي هذا الأرشيف. من لا يعرف فريد المزاوي من الأجيال الجديدة من الشباب العاملين في الصحافة الفنية وفي مجالات النقد السينمائي يعتبر محررا جاهلا وعليه أن يستزيد بمعرفة تراث هذا الرجل ودور المركز الكاثوليكي المصري الذي كان المزاوي مديرا له وللمكتبة السينمائية وأيضا للمهرجان الذي يقوم بتنظيمه المركز منذ 62 سنة.. المهرجان الكاثوليكي يعتبر أقدم المهرجانات السينمائية في مصر تأسس عام 1949 وجوائزه الأكثر مصداقية وتكريماته السنوية للعاملين في الحقل السينمائي والإعلامي لا تخضع لأي معايير خارج المعيار الفني الموضوعي والمزاوي كان بمثابة الدينامو المحرك لهذه المؤسسة التي تجمع بين الدين والثقافة. يوم الخميس "أول أمس" احتفل المركز الكاثوليكي الذي يدير حاليا ويواصل رسالته الأب بطرس دانيال بالذكري المئوية لهذا الرائد المؤسسي للثقافة السينمائية في مصر. فريد المزاوي رحمه الله تشرفت بمعرفته وبصداقة انسانية طويلة وممتدة معه منذ أن بدأت الكتابة. وقد كرمت الرجل باختياري عضوا في لجنة تحكيم ضمن اللجنة المكونة من ممثلين المراكز الكاثوليكية في العالم في مهرجان برلين السينمائي الدولي في المانيا وكنت المسلمة الوحيدة وسط نخبة من القساوسة الكاثوليك من جنسيات مختلفة وربما أدهشهم أسباب اختياري كممثلة للمركز الكاثوليكي في مصر ولا أخفي حجم امتناني لهذا الاختيار والفائدة الانسانية الرائعة التي عادت علي شخصيا من هذه التجربة الفريدة في مشواري كصحفية وناقدة سينمائية. كان فريد المزاوي رحمه الله إنسانا مثاليا وتجسيدا مدهشا للرابطة الفريدة والعميقة بين جوهو الفن والدين. فقد كان مسيحيا متدينا شديد التسامح والانضباط الخلقي وقدوة في العمل الدءوب الصالح وفي إدارته الطويلة الحكيمة لهذا الصرح الديني الثقافي الفني الذي توالت علي إدارته شخصيات فذة ورائعة مثل الأب يوسف مظلوم الذي حصل علي الدكتوراه في الأدب العربي من خلال رسالته عن الطيب المتنبي الشاعر العربي الفذ وبدوره كان لي شخصيا نعم الأخ ونعم الصديق ونعم النموذج الانساني الجميل وأيضا الأب بطرس دانيال الناشط الذي نؤمن بدوره عمليا وفكريا بالرابطة القوية جدا بين الفن كرسالة تحتفي بالجمال والأخلاق الطيبة وتنتصر للمبادئ والضمير والسلوك الانساني وبين الدين الذي يدعونا إلي التسامح وإعمال العقل والايمان الروحي بكل القيم الانسانية النبيلة وبالمحبة والتفاعل مع الجميع من دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي أو.. إلخ. فريد المزاوي مثل ما كتبت عنه ذات مرة أثناء حياته راهب حقيقي في محراب الفن ورجل دين صالح يرفض الاسفاف والزيف ويحرص علي التقييم الخلقي للأفلام من دون استبعاد الجانب الفني. ترك لنا وللعاملين في حقل الفنون السينمائية ما ينفع جماعة السينما والعاملين في الصحافة الفنية وصناع البنية العقلية الوجدانية المعادية لأشكال التعصب والإسفاف والابتذال.