تركني في مرحلة كنت في أمس الحاجة لوجوده بجانبي لكن لا راد لقضائه.. فقد رحل زوجي فجأة لأفقد شريك الحياة وزميل العمل حيث صارت معرفتي به من خلال المصلحة التي جاء تعييني بها موظفة بالحسابات أما هو فكان موظفاً مشهوداً له بالكفاءة.. وحين تزوجت منه تطلعت لحياه أكثر استقراراً إلا انه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. فقد واجهتني من المشكلات الجسيمة في بداية حياتي الزوجية ما يحتاج للوقوف عليها رسالة أخري لكنني اليوم أيقنت فقط أن هذه المشكلات كانت وراء نجاحي وتوفيقي بعد ذلك وكأن الله يكافئني علي صبري عليها ما يزيد علي عشرين عاماً!!.. رأيتها في التوفيق الذي يحالفني في كل خطواتي ليس فقط في حياة زوجي الذي رزقني الله منه بولدين إنما بعد وفاته حين صرت مطالبة بأداء دور الام والاب معاً تجاه الولدين اللذين لم يكونا في سن صغيرة تسمح بالسيطرة عليهما.. إنما كانا في أدق مرحلة وهي مرحلة المراهقة التي ضاعف من وطأتها عليَّ أعمارهما المتقاربة.. وكان لايشغلني في الحقيقة تفوقهما الدراسي بقدر ما يؤرقني حسن تربيتهما فالاخلاق عندي تسبق العلم.. لذا لم تتوقف متابعتي لهما داخل المدرسة وخارجها. وأتذكر أنه عندما وصل الولدان للمرحلة الثانوية كنت لا أخجل من الذهاب وراءهما خاصة الابن الاكبر !! وسؤال المدرسين عنهما وكان يدهشني ردود بعضهم وكأنه ينبهني: "ابنك يتخاف عليه".. فهو مهذب للغاية ولا يستطيع الرد علي زملائه!! لكنني في حقيقة الامر كنت سعيدة بهذا الكلام وأقول في نفسي "تربيتي نفعت" إلا أن ما جري فيما بعد جعلني أتوقف عن الحديث مع نفسي بهذه اللغة الواثقة.. حيث اكتشفت أن ابني "الخام" - كما يرونه -يتغيب عن الذهاب للدرس حصتين متتاليتين فأخذت شقيقه الاصغر معي لنعرف أين ذهب؟! .. و..وعند أحد محال "البلاي استيشن" توقفنا وهنا أشار لي ابني بالانتظار بعيداً فشقيقة بالداخل ولا داعي لاحراجه وسط وزملائه!!!.. وظننت أنه بعد ذلك سيلتزم لكنه للأسف لم يلتفت لغضبي وكرر تغيبه عن الدرس مثلما اعتاد تغيير "محل البلاي استيشن" حتي لا أصل إليه!! فترة "طيش" لم تدم بفضل الله معه طويلاً مثلما لم تدم مع شقيقه الاصغر الذي كان تعليمه أزهرياً وأصابه جانب من الاخفاق فيه بعض الوقت ثم سرعان ما استقام المسار ليلحق الاثنان بالجامعة ليحصل الاول علي بكالوريوس التجارة والثاني علي ليسانس الشريعة والقانون.. وهي اللحظة التي شعرت أنني أديت رسالتي نحوهما علي خير وجه وأنني وضعتهما علي الطريق الصحيح حين زوجت ابني الاكبر من فتاة مشهود بأخلاقها أما أخيه الاصغر فيستعد للزواج الصيف المقبل بإذن الله. وبعد كل هذا قد يسألني سائل وما مشكلتك إذن؟.. أقول: مشكلتي أنني مازلت -وبعد هذا المشوار المضني- المسئولة عن الانفاق عن ولديَّ "!!" فالاثنان منذ تخرجهما عاطلان فلا وظيفة ثابتة أو عمل منتظم.. وفي الحقيقة لقد كدت أركن للحزن واستسلم لليأس حتي جاءني خبر الحادث الاليم الذي تعرض له ابن شقيقتي الشاب وكيف رأيته أسير المقعد المتحرك لاحول له ولاقوة؟.. في تلك اللحظات تضاءلت كل آلامي أمام آلامه فحال ولدي أفضل بكثير من حال غيرهم وإن تأخرت الوظيفة.. إن الدرس الذي ينبغي علي كل صاحب شكوي أن يعيه جيداً.. لرب مسألته أهون من مسألة غيره وهو لا يدري والحمد لله أولاً وأخيراً. ف.م.ح- البحيرة û المحررة المحت في الجزء الاول من رسالتك للمشكلات الجمة التي استقبلت بها حياتك الزوجية والتي تردين الفضل لها في أن تمضي حياتك بعد رحيل زوجك بأقل المتاعب الممكنة.. وإذا كان لكل حادث حديث فان ما يعنيني الآن هو تجربتك الناجحة في إدارة دفة الامور بعد وفاة الزوج.. وكيف استطعت بمهارتك المحاسبية في ضبط البوصلة من البداية حين قدمت التربية علي التعليم فمارست كل أشكال المتابعة علي ولديك حتي بعد وصولهما للمرحلة الثانوية؟.. ولم تخجلي من الاعتراف بأنك في بعض اللحظات فقدت السيطرة علي ضبط البوصلة حين علمت بواقعة البلاي استشين وتلاها اخفاق شقيقه الاصغر.. في دراسته الازهرية وهما الواقعتان التي تمكنت سريعاً من احتوائهما. وكان من المتوقع بعد تخرجهما أن يتحملا هما مسئولية انفسهما في البحث عن الوظيفة والسعي نحو الاستقرار لكنك وبنظرة محاسبية أيضا رأيت في زواجهما استدعاءك للرزق فتزوج الاكبر.. وخطب الثاني.. وتضاعفت المسئولية علي عانقك وكاد اليأس يتملكك وأنت ترين مشوار كفاحك عليهما صار رهين البطالة!! لكن ولانك رضيت بما قسم الله لك كان من الطبيعي ان تتضاءل أحزانك علي حال ولديك وأنت تنظرين لما نزل بابن خالتهما وهو ما ينبغي أن يتعلم منه الناس حينما يشتد الكرب ويزيد الهم.. انظروا لاحوال من حولكم فمن المؤكد ستجدوا من بينهم الاشد بلاء وأن ما بكم أهون بكثير مما كنتم تظنون ليبقي ياسيدتي ما تعلمناه من نبينا المصطفي "أرض بما قسمه الله لك تكن أغني الناس".