لا أعرف من أين أبدأ.. لكنني أعشق الصراحة وأتخذ من الوضوح مذهباً لي ولكن اسمحي لي أن أحجب اسمي وقليلاً من المعلومات التي تشي بشخصي ولكنني وجدت نفسي بين سطورك ولهذا الجأ إليك بعد الله.. فقد لا يكون هناك حل.. ولكن من المؤكد ستكون هناك راحة.. فالتحدث إليك وإلي القراء سيزيح نصف همي وهذا يكفيني الآن. أنا فتاة عمري أربعة وثلاثون عاماً.. كل شيء يؤكد أنني متوسطة في كل ما يهم القارئ.. الشكل والمستوي الاجتماعي إلا الأخلاق فهي راقية.. وهذا ليس وصف إبليس لنفسه ولكنها حقيقة فرضتها عليّ التربية والنشأة والظروف. أما التربية والنشأة فلا دخل لي فيهما فهما من صنع والداي وعلي أدق تعبير والدتي التي وهبتني حياتها بعد وفاة والدي وبحكم أنني فتاة وحيدة.. أما الظروف فهي اصابتي في حادث وأنا صغيرة تسبب في بتر ذراعي وأصبحت أعيش بذراع واحدة وأخري تكاد تكون مشلولة وعندما ضاع مني هذا الجزء من جسدي عوضني الله.. حيث رزقني بالقدرة النفسية والعقلية.. فبعد تخرجي فضلت العمل في مشغل والدي وهو محل تفصيل ملابس.. طورته ونهضت به وجلبت إليه عمالة من الفتيات اللاتي لا عائل لهن.. وأصبح مشغلي مؤسسة اجتماعية وانشغلت في العمل ساعدتني أمي كثيراً.. وقفت إلي جواري وأصبحت مادياً ميسورة والحمد لله. يبقي أن تعرفي مشكلتي الحقيقية والتي ليس لها علاقة ببتر ذراعي.. فلي نفس مؤمنة وايماني مستقر والحمد لله. مشكلتي هي قلبي.. لقد أحببت شاباً في مثل سني كان هذا منذ ثماني سنوات.. أحبني هو الآخر ثم طلب الزواج مني وهو يعرف ظروفي كاملة.. فرحت لاصراره الشديد واستعددت أنا ووالدتي لاستقبال والدته ووالده.. مرت الساعات بطيئة ولم يحضر أحد وفي الصباح كلمني معتذراً وطلب مقابلتي.. قابلته وعرفت ان والده رفض بشدة زواجه مني وأمه سلبية الرأي ولذا لم يحضروا إلينا. غضبت أمي.. وعندما طلب أن يأتي بمفرده.. رفضته أمي بشدة وقالت له لن أزوجها لك ونصبح لصوصاً نسرقك من أسرتك وطالبته بالابتعاد عني واحتراماً لأمي التي وقفت بجانبي وأنكرت نفسها ووأدت شبابها في ظروفي حتي لا تتركني بعد وفاة والدي. قتلت حبي أنا الأخري داخلي. رفضته وقطعت علاقتي به.. ووضعت همي في عملي وأصبح المشغل مصنعاً صغيراً وأصبحت سيدة أعمال رغم ظروفي.. مرت السنوات الثمانية.. وقابلته صدفة لدي طبيب عيون.. عندما قابلته كاد قلبي يسمع كل الناس دقاته.. عيوني شفيت قبل ان أدخل للطبيب أقسمت كل حواسي حتي ذراعي الصناعية أنني أحبه بكل كياني وأن هذه السنوات التي هربت فيها ما هي إلا خداع لنفسي.. وجدته أيضاً متزوجاً ولديه طفلان.. عرف كل شيء عني وعرفت كل شيء عنه.. أقسم لي انه مازال يحبني وعلي استعداد للزواج بي فوراً لو وافقت.. عدت من لقائه حزينة مضطربة.. إنني لم أتزوج ولم يقترب مني أحد.. فلابد ان يكون هناك حب كبير لأجله يرضي أي إنسان بالارتباط بفتاة معاقة.. حدثت أمي عنه فهي صديقتي أيضاً ويبدو ان مرور السنوات ومرض أمي المتكرر وخوفها ان تموت وتتركني وحيدة جعلها تقول: إذا أردته عودي إليه.. تزوجيه. يا لحيرتي.. كيف أرفضه خالياً وأعود إليه متزوجاً ولديه أطفال؟ وكيف أقبل إهانة والده برفضي لأنني معاقة.. وهل يقبلون بي الآن أم سأكون إنسانة سارقة لابنهم.. رغم كل الحب الذي مازال نابضاً في قلبينا.. كثيراً ما سألت نفسي: ماذا لوكان ابنهم هو من يملك هذه الإعاقة؟ هل سيكون هذا هو رد فعلهم؟ أم أنهم سيقولون إن هذا شيء من عند الله.. فهل له ذنب؟! هكذا أتصور وهكذا أقول.. ما ذنبي فيما حدث لي؟ لقد كنت طفلة طبيعية واختارني الله ليختبر إيماني والحمد لله أنا صابرة ولكنني محبة لهذا الرجل ولن أتزوج غيره حتي وان لم أتزوج.. لكنني خائفة.. إنه يتصل بي كل يوم.. ويلح في طلبه.. بل لقد أخطر زوجته وعلي الرغم من ثورتها كما يقول.. إلا أنها رضيت واستكانت في نهاية الأمر.. وقالت له سأعيش من أجل الأطفال ولا تقربني ولكنه يؤكد أنها فترة وستهدأ وتعود إلي حياتها. إلحاحه عليّ وحبه وحبي.. يدفعونني للقبول.. وخوفي من الغد يمنعني.. ماذا لو تركته زوجته.. أو لم يحتمل؟ ما هو موقف والديه مني.. خاصة وأنهما أعلنا عليه حرباً عنيفة منذ عرفا؟ فزوجته جميلة وقريبة والده أيضاً.. إنني أشعر بالعجز الحقيقي عجزاً نفسياً لماذا ينظر إلينا المجتمع وكأننا فضلتهم أو بقايا بني آدميين؟! لماذا أليس من حقنا الزواج بشخص طبيعي وهل نحن غير طبيعيين؟!.. لماذا علي المعاق ان يتزوج من معاقة.. لماذا ولماذا؟ أشياء كثيرة أضعها أمامك فهل أجد الحل لديك؟؟! ** عزيزتي: لأن البعض يملكون ألسنة حدادا.. وأنصاف عقول.. وبقايا قلوب.. تخرجوا في الجامعات.. اتصلوا بكل الثقافات والحضارات ولكنهم أميون في مشاعرهم جهلاء في وعيهم.. هذا حال البعض.. والبعض الآخر جاهل في التعليم والثقافة فيتصرف بتلقائية الجهلاء وقلة باقية واعية تحاول النهوض وتوضيح الصورة. انها منظومة يا صديقتي.. ثقافة مجتمع.. أنني حزينة لأجلك وفي نفس الوقت فخورة بك وبما أنجزته.. أنا أضم صوتي إليك وأوجه نفس الاسئلة إلي العقول والقلوب.. ولماذا؟ وأضيف إليهم رأيك السابق - ماذا لو؟ - ماذا لو كان هذا المعاق ابنا لأحدهم كيف كان سينظر للأمر؟ هكذا يجب ان يفكروا.. أما ما حدث منك قديما فهو يحمل الاحترام لك لتقديرك لكلمة والدتك ولكن كان يجب ان تتناقشي معها.. تضحيتها لأجلك كانت اختيارها.. وزواجك بحبيبك اختيارك أنت.. كان عليك الحوار معها.. فهو رجل ناضج قادر علي أخذ القرار ولهذا قرر الزواج بك مع احتفاظه بحبه واحترامه لأهله في تصرفاتهم الخطأ.. ولكن قرار رفضك جعله ينصرف احتراماً لك. كان عليك توضيح الصورة للأم التي تحدثت بعواطفها.. أما الآن فهي توافق خوفاً عليك من العنوسة.. أو الوحدة.. والحبيب يطالبك بالموافقة والشرع والدين في صفكما فهذا حق شرعي فإن كان قادراً علي العدل وعاونته فلم لا؟ وزوجته ستلين مع الأيام خاصة أنها لم تطالبه بالطلاق فهذا شكل من أشكال الموافقة ولكنها فترة نفسية ستمر بها وتنتهي مع الأيام وبحسن معاملتك لها ولأولادها.. قد تتحولان لصديقين.. أما والداه فهو كفيل بهما.. هذا إذا كان قرار عدم زواجك بغيره جاداً. أما إن عدلت عن هذا.. فتزوجي برجل يحمل لك الود والاحترام ولا تخافي من الاقتراب فقد تجدين تجربة جيدة.. وأعتقد أنك لست من النوع الانهزامي.. فلك روح قوية مكافحة.. لك كل الحب والتقدير.. واعلمي ان الحياة تسير بحلوها ومرها ونحمد الله انها محطات فاختاري أفضل ما يسعدك فقد نجحت في الاختبار الذي وضعك فيه الخالق وسوف يقف بجانبك وينصرك بإذن الله.