توفي والدي وأنا في سن صغيرة, وكان فارق السن بينه وبين والدتي كبيرا جدا , وبعد مرور عامين علي رحيله لاحظت تغيرا مفاجئا في مظهرها وميلها نحو الجنس الآخر, وعرفت من خلال مراقبتي لها انها تعرفت علي رجل متزوج وزوجته مريضة إلي جانب علاقات عابرة مع الكثيرين ممن تحتك بهم بحكم العمل أو الجيرة ومن المعارف والأصدقاء!. أما هذا الرجل المتزوج فهو يشبهها في صفات كثيرة, وحريص علي أن يظهر كشاب في مقتبل العمر, ولاحظت علي أمي انها مرتاحة لهذا الرجل, لكني لو فاتحتها فيما علمته سوف تنكر, وقد تنقلب الأوضاع رأسا علي عقب, وتدخل في دوامة الأفعال المحرمة.. فآثرت الصمت, وخلدت إلي نفسي. وبعد تفكير عميق, ذهبت إليه وعرضت عليه فكرة الزواج من والدتي لو أنه يحبها فعلا, وقلت له إذا كنت تعتقد انني سأرفضك لو تقدمت لها, وانت الرجل المتزوج أو لأنها أمي ولا أريد أن يحل أحد محل أبي, فأنت مخطئ فأنا أريد راحتها..ألقيت هذه الكلمات الواضحة علي مسامع الرجل, فارتسم الذهول علي وجهه في البداية لكني مضيت أقول له إن هذا هو الطريق الصحيح والشرعي لهذه العلاقة, فإذا به يعلن ترحيبه بعرضي, واتفقنا علي أن يكون هذا اللقاء سرا بيننا وان يتقدم لطلب يدها كمبادرة منه.. وبعد أسبوع فاجأ والدتي بزيارتنا وطلبها مني أمامها, ولاحظت عليها علامات الاضطراب والقلق من رد فعلي, لكني بثبات وهدوء ورضا رحبت به.. وجاءنا المأذون وعقدنا القران.. وأصبح كل معارفنا وجيراننا علي علم بأن والدتي تزوجت علي سنة الله ورسوله.. وأصبح زوج أمي يزورها باستمرار.. ويعدل بينها وبين زوجته وبيته, وسادت الطمأنينة قلبي.والتفت إلي نفسي فوجدتني لم أتزوج ولم أفكر في هذه المسألة, وارتاح قلبي لزميلة لي في العمل فأخبرتها بكل ظروفي, وتقدمت إليها وتزوجنا.. ونعيش في سعادة غامرة, وكثيرا ما نسافر مع والدتي وزوجها في أيام الاجازات. وهكذا تغيرت والدتي إلي النقيض, وسادت تصرفاتها العقلانية ولم يعد للحركات الصبيانة أي وجود في حياتها. ونصيحتي لمن يعيش ظروفا مماثلة ألا يهرب, وأن يواجهها بالعقل والمنطق, وأن يتمرد علي كل القيود العقيمة التي لاتورث غير الحسرة والندم, وألا يلقي بالا لما يشاع في بعض الأوساط عن أن زواج المرأة بعد موت زوجها عيب, وألا ينفر منها إذا تزوجت بعد رحيل الأب, فهذه النظرة الخاطئة هي التي تدفع المرأة إلي كتمان رغبتها في الارتباط واللجوء إلي طرق غير مشروعة سرا فتدخل في علاقات عابرة حتي تشبع رغبتها التي حرمتها منها موروثات المجتمع, وهنا تقع في دائرة المحرمات وقد تندفع الي بئر الانحراف. ولكاتب هذه الرسالة أقول: ما فعلته ياسيدي منتهي الحكمة والعقلانية, فلقد أيقنت برغم عدم خبرتك بمثل هذه الأمور أن والدتك سوف تسير حتما في طريق التعرف علي الرجال سواء بغرض الزواج أو الصحبة, وأن خوفها منك وربما من أسرتكم هو الذي منعها من أن تدفع من أحبته للتقدم لها, فكانت المبادرة منك, وقد أزلت بذلك حرجا عنها وفتحت أمامها السبيل السليم لكي تحيا حياتها في النور, وأمام كل الأهل والمعارف.عين العقل أن يصنع من يعيش ظروفك صنيعك فيحصن والدته ضد تيار الانحراف وينتشلها من طريق الخطأ الذي قد تسير اليه. وتجربتك درس وعبرة لكل من فقد أباه, ومازالت أمه في سن متوسطة تحتاج فيها إلي زوج يحتويها,. فهذا هو المنهج الذي يجب أن ينتهجه كل الأبناء تجاه أمهاتهم, لكن الآفة التي يعانيها مجتمعنا خصوصا في الأرياف هي أن من تتزوج بعد رحيل زوجها ينبذها المحيطون بها, وكلما رأوا أحد أبنائها من زوجها المتوفي يمصمصون الشفاه فيثير ذلك في الصغار ألما نفسيا وجرحا غائرا.. وربما تكون هذه النظرة غير الصحيحة هي سبب رفض معظم من فقدوا آباءهم أن تتزوج أمهاتهم. فارجو أن يتفهم الأبناء دوافع الأمهات الأرامل للزواج, وأن تتغير نظرة المجتمع اليهن ليعيش الجميع في استقرار وتتحقق لهم السعادة بلا أنانية ولا تصرفات طائشة.