كانت الاعلام التي رفعها ثوار 25 يناير في ميدان التحرير تمثل الوطن العربي بتعدد اقطاره. لم تعد الثورة مقصورة علي أبناء قطر عربي واحد لكنها شملت كل الأقطار.. وإذا كنا قد أثرنا في العدد الماضي قضية المثقف المصري والتجمعات الثقافية المصرية فإن السؤال يمتد ليشمل الوطن العربي جميعا: ما دور المثقف والهيئات الثقافية في صياغة مجتمعات ما بعد الثورة التي شملت معظم اقطار الوطن العربي؟ يجد الشاعر د.حسن طلب ان هذا الدور لم يظهر بالصورة التي نتوقعها أو التي تمثلها احداث جسام تمر بها المنطقة العربية كلها. ربما يكون السبب ان الجهات الأهلية في الاقطار المختلفة ليست معبرة عن ارادة الكتاب والادباء فلا توجد وحدة بينهم ولا يوجد تفاعل لعمل موحد حتي الاتحادات القومية مثل اتحاد الكتاب العرب واتحاد الفنانين العرب.. الخ.. في مثل هذه الظروف يبدو المثقفون كأنهم جزر منعزلة لا تستطيع أن تؤثر في الرأي العام ولا تستطيع ان تعكس الصورة المرجوة للمثقفين وكما قلت فنحن نجد أكبر تجمع خارج نظام الدولة وهو اتحاد الكتاب العرب لا يستطيع أن يوحد المثقفين في اطار الرؤية أو الموقف الواحد إن به مجموعة تحرص ان ترشح نفسها في كل مرة وتنجح لكنها لا تعبر بالمرة عن التجمعات الحقيقية وهناك جمعيات لا يعرف اعضاؤها بعضهم بعضا. التجمعات الأهلية ليست أدباء فقط بل هي تضم اساتذة الجامعات والسينمائيين والتشكيليين وهيئات التدريس فلا توجد وسائل ولا طرق ولا قنوات كي تصنع منهم كتلة موحدة تستطيع ان تضغط ون يكون لها رأي قوي يعمل له ألف حساب علي مستوي الوطن العربي جميعا بالاضافة إلي أن هناك عزوفا من المفكرين الجادين عن الانضمام لمثل هذه التجمعات وهذه المجموعات مؤثرة لكن المؤثرات تكون خارج تلك التجمعات الهامشية لهذا فإن دور تلك التجمعات سلبي فيما يحدث الآن. وفي تقدير د.عاطف العراقي ان الدور الذي قامت به المؤسسات الثقافية - بوجه عام - في الوطن العربي لم يكن متناسبا مع حجم هذه الثورات في العديد من أقطار الوطن العربي. يرجع ذلك لأسباب من بينها ان بعض أعضاء هذه الجمعيات الثقافية يعتبرون من انصار العهد البائد وافادوا ماليا واجتماعيا من النظام السابق ومازالوا مترددين حول امكانية نجاح كل ثورة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا في حين ان المثقف الحقيقي هو من يبادر بتشجيع كل فكر بناء خاصة ان العروبة ثقافة قبل أن تكون سياسة فكان من المنتظر ان يمثل المثقفون الفدائيين الذين يتصدرون هذه الثورات ولكن حدث تقاعس كبير للأسف الشديد بل ان بعضهم مازال يتغني بأمجاد العصر السابق سواء كان ملكيا أم جمهوريا. لقد نجحت الثورة الفرنسية لأن المثقفين تشربوا - منذ البداية - مباديء الحرية والاخاء والمساواة لكن مازال البعض في الوطن العربي مترددا وخاصة ان أكثر الجمعيات الثقافية كان أعضاؤها من صنيعة العهد الماضي. ونالوا مناصبهم وجوائزهم من ثمرات العهد الماضي فلا خير فيهم ولا توجد مصداقية في دعواتهم وافكارهم. ويري الروائي الليبي د.أحمد ابراهيم الفقيه ان دور المثقف ليس وليد اللحظة وهي مرحلة المناخ الثوري. دور المثقف موجود قبل هذه الثورات وأثناء هذه الثورات وبعدها. ان دوره في الحياة لأداء رسالة أي أديب لابد ان تكون له رسالة حتي لو كتب قصة جميلة هي اثراء للوجدان وهي تقوية للرؤي وتقوية للمدارك واثراء للشعور والوجدان وهذا الاحساس موجود الأمس واليوم والغد وليس مرتبطا بفترة أو بثورة وما يحدث من قبل الثورات سواء في تونس ومصر واصدائها في سوريا وليبيا واليمن والبحرين وعمان والسودان.. كل هذه الارهاصات لمجيء ثورة شيء يهييء للأفضل تصب في صالح هذه القضية وتستطيع أن تؤدي دورها في المناخ الثوري بطريقة أفضل لأن الحرية تتيح فرصة لهؤلاء المثقفين ليعبروا عن آرائهم فكم من الضحايا الذين ذهبوا من الادباء والمفكرين وآن الأوان كي نصنع بيئة وظروفا ومناخا واجواء تساعد علي الابداع وعلي اداء رسالة التنوير وما مهمة الكاتب إلا ان يقوم بدوره الحقيقي في تعميق الوعي الإنساني واثراء الوجدان الإنساني فالفرق بين الإنسان وغيره من الكائنات. هو هذا الوجدان الذي يحتاج إلي موارد تغنيه فالمثقفون هم هؤلاء الجناينية الذين يرعون الحدائق. حدائق العقل هم أهل العلم والثقافة والابداع وبمجيء هذه الثورات التي تحطم القوالب القديمة للحكم وينمو فيها الطغيان والقمع فهذا دورهم الآن وفي ظل الثورات يعطي نتائج أفضل وأكبر في تحقيق الاهداف التي تدعو لها القوي الثورية عندما تتحقق الاهداف بالاطاحة بأنظمة الحكم الاستبدادي فيفيد كل مواطن وأول المستفيدين هم أصحاب العلم والفكر. وفي تقدير د.عوض الغباري ان دور الصفوة المثقفة في الوطن العربي يواجه الآن الحاحا وضغطا من المواطنين العاديين فالشعوب - بجميع أطيافها - صارت هي المشارك والمحرك في الأحداث وتراجع دور المثقف القيادي بشكل ملحوظ وبصراحة فإن علينا ان نحاكم المثقفين العرب ونسألهم: أين كانوا طيلة الأعوام الثلاثين الماضية في مصر والاربعين عاما في ليبيا واليمن وسوريا؟ لقد سمعنا في مصر - منذ عشرين عاما - عن دخول المثقفين الحظيرة عن طريق الترغيب أو الترهيب وكانت هناك أنواع من الالتفاف حول هذا الموضوع. أنا أريد ان اطرح السؤال كالتالي: أين دور المثقفين فيما مضي وليس أين دور المثقفين فيما نحن فيه؟ لقد قامت الثورات علي اكتاف الشعوب العربية فهي المحرك الاساسي والرئيسي ولا يوجد أي دور أو توجيه من حزب سياسي أو ثقافي أو غيره. ولا شك ان التحولات التي يشهدها الواقع العربي - والكلام للشاعر والروائي سمير الفيل بحاجة إلي رؤية مستقبلية لا يقوم بهذا الدور إلا المثقف العربي لأن لديه القدرة علي التحليل والتفسير والتنبؤ بما يمكن ان يتحقق وعلي هذا الاساس فإن المثقف العربي له ثلاثة ادوار.. الأول ان يشارك في تسريع الثورة في قطره والثاني أن يمنعها من المراهقة الفكرية. أي يحدث نوعا من التوازن بين اهدافها وامكانية تحقيق هذه الأهداف علي الأرض. أما الأمر الثالث فإن عليه بناء أسس ودعائم اهداف هذه الثورة. كل هذا يجعل دور المثقف العربي استشرافيا وتنبؤيا إلي أن تتحقق الثورة تغير الواقع الرديء إلي واقع أفضل ولعلي أضيف ان المثقف الذي يشترك يكون جزءا من السلطة المقبلة فهو يفقد بذلك جزءا كبيرا من استقلاليته وقدرته علي رؤية المشهد كاملا والتأثير فيه بالتالي واعتقد ان الثورات العربية تواجه اخطارا شديدة لعدم وجود اهداف محددة متفق عليها كما يوجد ايضا فلول النظام السابق وقد يكون نتيجة ذلك تحرك الثورة المضادة التي تريد ان تجهض ثورة الشعب. أخيرا فإن دور المثقفين العرب - كما يراه الروائي حسني لبيب - انهم حملة الوعي السياسي والاجتماعي وهم يبصرون بقية المواطنين بالطريق السليم بعيدا عن الشائعات ويجب علي أي مثقف أن يكون علي درجة كبيرة من الوعي بخطر الثورة المضادة بما تحمله من ترويع للمواطنين حتي الآن فإن دور المثقفين متواضع لا يرقي إلي مستوي الحدث الكبير. هناك أولويات يحدد المثقفون اهميتها حسب المرحلة القائمة. علي المثقفين ان يشاركوا في المؤتمرات والندوات فهي القنوات التي يعبرون منها إلي المتلقين أو القراء لفتح مجالات الاستنارة.