أكتب إليك عن شقيقتي الصغري التي أري في تجربتها ما يستحق تقديمه لقرائك وكيف استطاعت أن تتغلب علي كثير من محطات اليأس بحياتها بشئ من المرونة وعدم الاستسلام.. فحينما تزوجت شقيقتي لم تمانع من الاقامة في منزل عائلة زوجها رغم ادراكها لحجم المشكلات التي قد تنشأ من اقامتها في بيت العيلة لكن كان عليها احتواء كل ذلك بمنتهي الذكاء والصبر .. فتجنبت كثيرا من الصدام مع أهل زوجها لما تحمله له في قلبها من حب كبير. .. وظهر في حياتهما ما كان بامكانه أن يعصف بهذا الحب وهذا التفاهم الشديد الذي يجمع بينهما حين مضت السنوات الأولي دون أن تظهر أي بشائر تنبئ بقدوم مولود جديد.. وحين كشف الفحوص الطبية- وهو ما حرصت علي إخفائه عن الجميع لسنوات طويلة- بأن زوجها يعاني من مشكلات مزمنة تحول دون الانجاب. هنا سعت شقيقتي وبكل ما أوتيت من عزيمة وإصرار علي أن يبدأ زوجها رحلة العلاج مهما بلغت النفقات وراحت تشجعه علي البحث عن العمل الاضافي إلي جانب وظيفته ومن جانبها تعلمت التريكو واشترت ماكينة لتبدأ هي الأخري في الانتاج لمعاونة زوجها في الوفاء بما تحتاجه رحلة علاجه من نفقات باهظة.. لم تكتف بذلك بل راحت توفر الجو النفسي المناسب حين قامت بضم الفراغ الكبير المواجه لشقتهما الصغيرة لتعمل علي توسعتها ومضت السنون وهي تحاول شغل أوقاتها- إلي جانب التريكو - بالدراسة.. فحصلت علي دراسات من جامعة الأزهر وأخذت تبحث عن بنات الجيران لتعلمهن آداب الدين وتعاليمه ووجدت فيهن أفضل استثمار لأوقاتها بعيداً عن الجو المشحون في بيت العيلة الذي لا يتوقف فيه الهمز واللمز عن أسباب تأخرها في الانجاب وأمور أخري لا يخلي منها أي بيت.. وجاءت السنة الأخيرة لتحتدم المشكلات بينها وبين أهل زوجها وحتي بعد أن علموا بحقيقة تأخر الانجاب وأن الأمر يتعلق بزوجها لم تهدأ المشاحنات.. تراكمات أدت بها في النهاية له طلب أبغض الحلال.. الطلاق. وبنفس روح التفاهم التي جمعت بينهما طوال سنوات زواجها التي دامت 14 عاماً بنفس الروح التي صاحبت لحظات انفصالهما حيث راحا يتقاسمان ما بينهما من أمتعة وأشياء بنفس راضية. متسامحة. ورغم الألم الذي أصابني شخصياً من طلاق شقيقتي وأنا أراها تفقد أفضل رجل يمكن أن يتمناه أخ لأخته ما كان لي إثناؤها عن هذا القرار بعد أن حسمت أمرها وطوت تلك الصفحة من حياتها.. بعد الطلاق حاولت شقيقتي وكعادتها شغل وقتها بأقصي درجة ممكنة.. فالتحقت بالجامعة المفتوحة لتحصل علي بكالوريوس التجارة كما نظمت دورات محو أمية وتحفيظ القرآن وتعليم التريكو للفتيات المترددات علي المركز الاجتماعي الكائن في منطقتنا والذي فيه تقابلت بمن ارتضت به شريكاً جديداً لحياتها.. فكان الزواج الذي حقق لها أغلي ما تتمناه أي امرأة في أن تصبح أماً.. حيث رزقها الله بالولد والبنت اللذين ملآ عليها حياتها.. وكان عليها أن تسعي- كعادتها- في تهيئة الجو المناسب لمعيشة كريمة لهما. بدأت في تشجيع زوجها علي البحث عن عمل إضافي إلي جانب وظيفته وفي هذه المرة لم تجد الروح المتفاهمة.. فأبو ولديها مختلف تماما عن زوجها الأول.. فهو لا يعرف سوي وظيفته .. وحين حاولت تشجيعه بشراء سيارة "توك توك" رفض تماماً العمل عليها كما رفض أن تخرج هي للعمل!! وهكذا حال الدنيا التي لا تعطينا كل شئ فحين كانت أختي تنعم بالزوج المتفاهم كانت محرومة من نعمة الأمومة.. وحينما جاء الأولاد.. لم تجد بجانبها الزوج المتفاهم!! وتلك هي المعادلة. ي . م .أ- القاهرة û المحررة تمنيت ُ لشقيقتك - التي ضربت لنا مثالا في الصبر والعطاء- ألا تترك زوجها الأول الذي فيه من الصفات ما ليس تجده في شخص آخر.. وصدق توقعك في زواجها الثاني حين لم تر في شريك حياتها الجديد ما يعينها علي توفير المعيشة التي تتمناها لولديها لكنها كما قلت هي الدنيا التي لا تعطي لنا كل شئ ومع أن شقيقتك لم تترك زوجها الأول بسبب الانجاب.. بل سبب اقامتها في بيت العيلة.. لقد ضربت لنا شقيقتك نموذجاً للانسان الذي يعلم قيمة الوقت ويحافظ عليه .. فلم تترك لمسألة التأخر في الانجاب في زواجها الأول أن تعطلها بل سعت للدراسة في جامعة الأزهر وفي تعلم فن التريكو واجادته ليدر عليها ما يساعدها علي المساهمة في نفقات علاج الزوج. حتي بعد انفصالهما لم تخلد لاجترار الذكريات وحظها العاثر .. بل بحثت سريعاً عما ينشلها من تلك الدوامة فاتجهت للدراسة من جديد ..لتحصل علي البكالوريوس.. ولم تنس حق المجتمع عليها حينما بحثت عن المركز الاجتماعي لتقدم خدماتها فكانت مكافأة السماء لها بالزوج الذي أنجبت منه أحلي زهرات عمرها..وما عليها وكما عودتنا سوي أن تصبر علي طباعه من أجل ولديها .. فعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.. وعسي أن تحبوا شيئاً وهو كره لكم .. والسلام إليك أيها الأخ المخلص المحب لشقيقته.