أنا من قارئات نافذتك.. ولقد وجدتني مدفوعة للكتابة لك أملاً في إعانتي علي اجتياز الازمة التي أمر بها هذه الايام وأدعو الله أن أعبرها بسلام وألا تطول معي.. ولكي أحدثك عن سر أزمتي فلابد أن أعود بذكراتي لايام طفولتي التعيسة حيث نشأت في أسرة بائسة.. أب وأم كل هدفهما في الحياة هو التسول ولامانع أن يدفعاني لمزاولة تلك المهنة معهما لنعود جميعاً في نهاية اليوم ونعطي معظم حصيلتنا من التسول لأخي "المدمن" والويل لمن يمتنع فجزاؤه منه سيكون إما الضرب أو الركل أو حلق الشعر مثلما فعل معي!! وفي ظل استسلام أبوي ورضوخهما التام أمام بلطجة أخي وتعذيبه الدائم لي هربت من البيت كنت وقتئذ في السادسة من عمري حين تقابلت في الشارع بأطفال كثيرين غيري هربوا من بطش آبائهم وبلطجة اشقائهم.. ولم يمض بنا وقت كبير حتي أمسكت بنا الشرطة وأودعتنا في دار للضيافة وفيها لاقينا من العذاب ألوانا ما دفعنا للهروب من جديد إلي الشارع وفي هذه المرة تقابلنا بصاحب القلب الطيب الذي أخذنا إلي بيته لنعيش مع اسرته لحين ينتهي من إجراءات إلحاقنا بدار رعاية مناسبة. وكانت من أسعد أيام حياتي تلك الفترة التي امضيتها في مسكن هذا الرجل الطيب والذي صرت أناديه بعد ذلك بكلمة "بابا" فقد شملوني وأقراني بكل العطف والحنان وأحسست بأنني أولد من جديد فتعلمت منهم النظافة والنظام والمواظبة علي الصلاة التي كنت لا أعلم عنها شيئاً "!!".. لذلك كم بكيت حينما حانت لحظة ابتعادي عنهم وانتقالي لدار الرعاية التي حرصوا أن تكون من الدور المشهود لها بالعناية والكفاءة. ودارت الايام وصاحب القلب الطيب بابا الانسان يتابع أخباري وأصحابي ويغدق علينا من ماله الخاص حتي أنهي من بيننا من أنهي تعليمه وخرج من الدار وتوظف أما أنا فقد حصلت علي الدبلوم المتوسط ووفقني الله إلي الوظيفة المناسبة بإحدي الشركات.. وفي تلك الاثناء تعرفت علي شاب دمث الخلق أفصح لي عن رغبته في الارتباط بي.. فطرت إلي "بابا" أسأله النصيحة فأوصاني بألا أخفي شيئاً عنه فيما يتعلق بحياتي الماضي؟.. ثم.. ثم أترك له القرار! أخذت بالنصيحة فما كان من الشاب بل واسرته إلا ان ازدادوا تمسكاً بي لما عرفوه عني من حسن خلق والتزام وسرعان ما تمت خطبتي إليه لنبدأ معاً في إجراءات التجهيز لبيتنا الجديد.. و.. وتحديد موعد الزواج الذي تقرر له عيد الفطر المقبل. وتصوري بدلاً من أعيش الفرحة في تلك اللحظات التي تتمناها أي فتاة بقدر الالم النفسي الذي اعتراني وأنا أجدني وحيدة ليس بجانبي أم تسعد لسعادتي أو أب يضع يده في يد خطيبي لحظة عقد القران. هنا عدت إلي بابا الانسان أطلب منه مساعدتي في البحث عن طريق أسرتي فمازلت أتذكر المنطقة التي تقطن بها لكنه رفض الفكرة ونصحني بصرف النظر لانها لن تزيد ني سوي حسرة وألم.. ورغم إدراكي لذلك إلا انني أجدني مشدودة لرؤية أبي.. ورؤية أمي.. ورجائي أن ترشيدني إلي الصواب فأنا في صراع حقيقي بين نصيحة "بابا" الانسان وبين حنيني لزيارة أهلي فكم أتمني أن يكونوا بجواري في اليوم الذي أزف فيه إلي بيت زوجي. فبماذا تنصحيني؟ الحائرة: ي. ي.ع- القاهرة * المحررة في البداية أود أن ألفت نظر قراء النافذة إلي أن عنوان هذه الرسالة هو من اختيار صاحبتها تلك الفتاة المتبصرة بحالتها فهي تعلم جيداً أن الحنين إلي الماضي لن يجر عليها سوي الآلام وهو ما أراد صاحب القلب الطيب تحذيرها منه.. لكن من منا يستطيع أن ينتزع منك هذا الشعور المسيطر عليك الان في أن تجدي أقرب الناس إليك في ذلك اليوم!! لكن ازاء هذا الالحاح منك أري أن تصطحبي والدك "الانسان" وتذهبي إلي حيث تقيم اسرتك وحاولي السؤال عنهم ورؤيتهم بطريقة غير مباشرة.. وعندئذ يبقي لك تقدير الموقف إما بطي هذه الصفحة للأبد.. أو التواصل معها بعد طول انقطاع وجفاء.. خذي الخطوة يا فتاتي فلعل فيها ما يعينك علي الخروج من تلك الحالة التي تفسد عليك فرحتك.. وان كنت أميل لرأي صاحب القلب الطيب.. وفقك الله وأتم سعادتك