رئيس جامعة بنها يُكرم الفائزين في مسابقة «عباقرة الجامعة» الموسم الخامس    المجلس القومي للطفولة والأمومة يطلق «برلمان الطفل المصري»    وفاة رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    توريد 98 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    الهجرة تعلن ضوابط الاستفادة من مهلة الشهر بمبادرة سيارات المصريين بالخارج    السيسي يبعث برقية عزاء إلى رئيس الإمارات في وفاة الشيخ طحنون    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    رئيسة المفوضية الأوروبية: مساعدات بمليار يورو دعمًا لاستقرار لبنان    رئيس مجلس الشيوخ ينعى النائب عبد الخالق عياد    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    اختباران جديدان لآرسنال ومانشستر سيتي في صراع صدارة البريميرليج    الأهلي يواجه الألومنيوم.. والزمالك أمام بروكسي في دور ال32 بكأس مصر    محافظ الفيوم يوجه بتكثيف الحملات على منافذ بيع الأسماك والمزارات السياحية    لمدة 8 أيام.. غلق شارع 79 بالمعادي بسبب أعمال صيانة خط الصرف الصحي    ضبط 40 كيلوجرام أسماك مجمدة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    استمرار حبس عاطل لحيازته 4 كيلو من مخدر الهيروين في العمرانية    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    ضبط عدد من قضايا الاتجار بالعملات الأجنبية خلال 24 ساعة    بعد طرح فيلم السرب.. ما هو ترتيب الأفلام المتنافسة على شباك التذاكر؟    ماكرون لا يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا في حال اخترقت روسيا "خطوط الجبهة"    صدام جديد.. أنشيلوتي يُجبر نجم ريال مدريد على الرحيل    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «اكتشف غير المكتشف».. إطلاق حملة توعية بضعف عضلة القلب في 13 محافظة    مصدر رفيع المستوى: تقدم إيجابي في مفاوضات الهدنة وسط اتصالات مصرية مكثفة    رئيس اتحاد القبائل العربية يكشف أول سكان مدينة السيسي في سيناء    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    حار نهارًا.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 2-5-2024 ودرجات الحرارة المتوقعة    شوبير يكشف مفاجأة عاجلة حول مستجدات الخلاف بين كلوب ومحمد صلاح    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من منصة الجونة السينمائية    مسلسل البيت بيتي 2 الحلقة 3.. أحداث مرعب ونهاية صادمة (تفاصيل)    كلية الإعلام تكرم الفائزين في استطلاع رأي الجمهور حول دراما رمضان 2024    هل تلوين البيض في شم النسيم حرام.. «الإفتاء» تُجيب    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم دينا فؤاد عن مسلسل "حق عرب"    شيخ الأزهر ينعى الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    محافظ الجيزة يستجيب لحالة مريضة تحتاج لإجراء عملية جراحية    120 مشاركًا بالبرنامج التوعوي حول «السكتة الدماغية» بكلية طب قناة السويس    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    منها إجازة عيد العمال وشم النسيم.. 11 يوما عطلة رسمية في شهر مايو 2024    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    على طريقة نصر وبهاء .. هل تنجح إسعاد يونس في لم شمل العوضي وياسمين عبدالعزيز؟    محامي بلحاج: انتهاء أزمة مستحقات الزمالك واللاعب.. والمجلس السابق السبب    رئيس الوزراء: الحكومة المصرية مهتمة بتوسيع نطاق استثمارات كوريا الجنوبية    البنك المركزي: تسوية 3.353 مليون عملية عبر مقاصة الشيكات ب1.127 تريليون جنيه خلال 4 أشهر    سؤال برلماني للحكومة بشأن الآثار الجانبية ل "لقاح كورونا"    أبرزها تناول الفاكهة والخضراوات، نصائح مهمة للحفاظ على الصحة العامة للجسم (فيديو)    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    هئية الاستثمار والخارجية البريطاني توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة: تلك الشجرة

هكذا كنت أتكيء بظهري علي جذع شجرة الكافور الضخم والذي يسمح للكثير بالإتكاء عليه في آن واحد, كنا نسترح ونسترخي تماما ونحن هكذا.
في الناحية الأخري والمطلة علي الترعة‏,‏ يتكيء سلامة‏..‏ سلامة ذلك الإنسان الذي لا تكاد تراه من ضآلة قامته‏,‏ سلامة الذي لا يلفت نظرك فيه أي شيء‏..‏ إلا انه ذلك الحضن الدافيء والقلب الكبير والذي كان يحتوي الحزاني والحياري‏,‏ هو واحد من أولئك الذين شردتهم الدنيا وتركتهم يتسولون الحياة بالقطعة‏,‏ فلا شيء يعرف الاستقرار في حياته إلا شيء واحد‏,‏ أزمة مستعصية تتحرك علي هيئة بقايا رجل‏,‏ كأنه الجوع والألم والحزن والهم‏.‏
يتحرك أمامنا وهو يعبر عن كل ذلك ببراعة فائقة‏,‏ عندما يقبض بين شفتيه علي تلك الآلة البسيطة الرائعة جدا‏,‏ ناي صنع من البوص‏..‏ لاقيمة مادية لها إطلاقا‏,‏ ولكنها أنفاس سلامة المقهورة الضائعة المنداسة‏,‏ أنفاس تكويك من وهج الحزن الذي يلتحم بأذنك أنفاس تخرج معجونة بكل معاني الأسي والظلم الواقع عليه وعلي كل الناس الذين من حوله‏.‏
عندما يبدأ سلامة أمسيته ويأخذ وضعه المعتاد ليلا تحت شجرة الجميز‏,‏ هناك القمر وعلي مدد الشوف يتوسط السماء وينير الأرض الصامتة إلا من ناي سلامة‏,‏ يدفع زفيره الحارق إلي تلك البوصة البسيطة القابعة بين شفتيه‏,‏ يتفاعل الاثنان ليخرجا صوتا تصمت لسماعه حتي الكلاب وتقف علي إثره الثعابين‏,‏ معه تدمع عيون الحياري وتبكي معه قلوب المجروحين‏,‏ كلانا يروح في نوبة سرحان مع آهاته‏.‏
كل ليلة كنت أستند بظهري في الناحية العكسية لجلسته‏,‏ أظل أحدق هناك في النافذة التي تبدو واضحة جلية‏,‏ خلفها يختبيء قلبي وترقد أحلامي‏,‏ أظل هكذا وأنا أنتظر طلتها البهية يوم‏...‏ شهر‏...‏ سنة مهما طالت الأيام فأنا رهن الانتظار ورهن طلتها‏.‏
تأتي نغمات سلامة‏..‏ تمتزج مع الجرح الكائن في القلب وتأخذني في عالم يرقد بأكمله خلف تلك النافذة‏,‏ عالم من المتاهة‏...‏ غيبوبة عن أي شيء وكل شيء‏,‏ يظل هو ينفث زفيره في الناي‏,‏ لتخرج النغمات كأنها الأنات بذاتها‏..‏ كأنه يقرأ كل الأسرار القابعة في القلوب‏..‏ يقتحم تلال الحزن المتراصة‏,‏ يدرك معني المعاناة ومعني الحاجة والهزيمة والكذب والخيانة‏,‏ كل الحكايات المختلفة والتي تسكن بداخلنا يحفظها سلامة عن ظهر قلب‏..‏ يترجم تلك المعرفة بقلبه الذي يحمل بداخله كل قلوبنا‏,‏ كل الموجوعين من القرية والقري المجاورة وما أكثرهم‏,‏ يأتون ليلا أفواجا أفواجا‏,‏ لحضور سهرات الطبيب الفنان سلامة عبقري علاج الأوجاع والجروح‏,‏ كان يخفف من معاناتنا‏,‏ نغماته تطلق العنان للدموع فتنفك العقد وتنهار الحواجز من أمامها‏,‏ تهطل الدموع وتهطل بعدها نشعر بشيء من الراحة‏.‏
يغيب سلامة وهو ينفث زفيره ويسبح في عوالم أخري‏,‏ يأخذنا معه إلي حيث مكامن الجروح وأرض الهزائم‏,‏ يغيب سلامة ومعه نغيب جميعا حتي يوشك القمر علي الغياب والفراق‏.‏
كانت قمة السعادة والقرية هكذا‏,‏ الحب يملأ الأركان والليالي الساهرة والقلوب المحبة العاشقة‏.‏
سنين طويلة غبت عن القرية‏,‏ سافرت إلي بلاد الغربة والمال والأحلام الكبيرة‏,‏ بعد أن أغلقت النافذة في وجهي وللأبد وسكن خلفها قلب رجل غيري‏,‏ من يومها لم يعد ممكنا البقاء‏,‏ تركت القرية وارتميت في حضن الغربة‏,‏ والتهمت قسوة الأيام وجبروت أصحاب الأعمال في الغربة كل أحلام القرية البسيطة وناي سلامة وشجرة الجميز والترعة وضي القمر‏,‏ وسهرات القرية وأفرحها والحب الذي كان بحجم القرية‏.‏
وغصت في وحل العالم الجديد عالم المال والثراء‏,‏ عالم اللا مشاعر عالم المصالح‏,‏ هناك كل شيء تغير ومعني الكلمات صار لها مرادفات أخري‏.‏ كثيرة هي الأحلام التي حققتها‏..‏ كثيرة هي الأموال التي جمعتها ولكنها القرية وناسها وسلامة‏,‏ وشوقي الدائم لهم‏,‏ وحنيني الجارف لهم لم تنسن إياه الغربة الملتهبة‏.‏
سنين طويلة قضيتها في بلاد الغرب مرة واحدة‏,‏ وعدت بشوق ولهفة من بلاد المال والنار والأضواء والصخب والسهر‏.‏
قبل التوجه إلي البيت قررت التوجه فورا إلي حيث ساحة القرية الكبيرة وشجرة الكافور وسلامة والناي‏,‏ بثقة أحسد عليها قلت للسائق ناسيا كل تلك السنين الطويلة التي مرت‏:‏ أريد الذهاب إلي شجرة الجميز وساحة القرية وسلامة العبقري‏,‏ رد السائق باستغراب شجرة جميز إيه وسلامة مين وناي إيه؟ حاولت شرح الموقف دون جدوي‏,‏ تسير السيارة والقرية كأنها ليست القرية التي أعرفها‏,‏ اختفت الساحة القديمة وقسمها الناس وتحولت إلي بيوت أسمنتية‏,‏ وشجرة الجميز اجتثت من جذورها ولم يعد لها من أثر إلا من حكايات يحفظها الكبار في الصدور‏.‏
هرولت إلي بيت سلامة‏,‏ قابلتني زوجته والتي تذكرني جيدا‏,‏ أمد يدي لها‏..‏ بصوت خفيض متألم تهمس لي‏:-‏ صاحبك تعيش إنت ودخلت إلي البيت وأحضرت لي الناي وقالت‏:-‏ خد دا وصية المرحوم‏.‏
بعد فاصل من البكاء والنحيب‏,‏ قدمت لها كل ما لدي من أموال سائلة وكل الهدايا التي حملتها معي‏.‏
أتجول في القرية‏,‏ أجدها بعد سلامة والشجرة والناي‏,‏ غريبة قاحلة جرداء من المشاعر‏,‏ والخيمة الكبيرة التي كانت تغطينا جميعا‏.‏
مزقتها الأنانية والأطماع والصراع من أجل المال‏,‏ والكره والحقد والحسد والتي نبتت أشجارها بغزارة‏,‏ لم تطاوعني نفسي دخول بيتي المغلق منذ سفري‏,‏ أعود أدراجي من حيث جئت‏,‏ أغادر القرية بسرعة كما دخلتها وللأبد‏.‏

رابط دائم :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.