صمت وفراغ، ورغبة فى إجازة من شهر المتعة والإجازة الذى يسمى كأس العالم. هذا المهرجان الإنسانى الرياضى الذى تتلاقى فيه الحضارات وتتبادل خلاله الشعوب الاحتضان. ويكتشف الأثينيون (نسبة إلى أهل العقل والحكمة فى أثينا أيام الإغريق) قيمة ومعنى كرة القدم وأهميتها. وهم يفعلون ذلك مع بدء كل مونديال، لأنهم يكونون مشغولين خلال السنوات الأربع التى تفصل بين بطولة وبطولة فى الاستخفاف بالرياضة وبقيمها وبدورها الإنسانى. صمت وفراغ، لابد أن تعقبه دراسة وبحث فى أساليب كرة القدم الجديدة والتعلم من الدروس المستمدة من كأس العالم. مع أن بعض الخبراء يرون أنها لم تكن كأسا ولم تكن عالمية.. وبعضهم اكتشف بعد مضى 36 عاما على أهمية الجماعية فى كرة القدم وحتميتها أنها لعبة جماعية وأن الأداء الجماعى، كما يقولون، تفوق على اللعب الفردى.. يا له من اكتشاف. ثم إن البرازيل حتى بداية الشوط الثانى من مباراة هولندا التى خسرتها كانت فريقا منظما يلعب كرة جماعية، ولأنه خسر، فقد أصبح فريقا ضعيفا، كما يقول بيكنباور.. وشأن كل مونديال لابد من نقده ورفضه ونفضه، ولا بد من إصدار أحكام مطلقة، مع أنه لا شىء مطلقا أصلا فى الحياة. ومن تلك الأحكام هذا الإعلان عن موت المهارة.. مع أن المهارة بالنسبة للاعب كرة القدم، ولأى لاعب، ولو لاعب بإصبعه على الناى، هى الأكسجين والحياة للإنسان. فكيف تموت المهارة ولا تكون لها قيمة فى لعبة كرة القدم، كما يقولون؟! هناك فارق كبير بين اللعب الفردى وبين المهارة. وعندما قدم تيرى فينابلز مدرب منتخب إنجلترا فى مطلع التسعينيات طريقة 4/3/2/1 التى عرفت بشجرة الكريسماس لتركيبتها الهرمية، بدأ الخبراء والنقاد يتابعون أساليب اللعب الجماعى وكيف يكون بعضه مثل شجرة الأرز اللبنانية، وبعضه مثل شجرة الجميز المصرية. وابن الريف يعرف شكل شجرة الجميز، فأفرعها عشوائية، وتمضى فى اتجاهات متضاربة، وجذورها تضرب فى طول الأرض وفى عرضها، لكنها برغم قوتها، غير مهذبة، كل فرع فيها يبدو كأنه شجرة بذاتها. وكل فرع منها يتحرك بالاتجاه المعاكس للفرع المجاور.. هكذا كان أداء منتخب الأرجنتين مثلا. كان فريقا قويا حافلا بالعشوائية. وهنا يفقد الجماعية لكنه يتمتع بالمهارات. ولم يخسر بسبب مهارات لاعبيه لكنه خسر بسبب تلك العشوائية فى الأداء التى غابت فيها الخطط والجمل والتكتيكات. كرة القدم لعبة جماعية منذ عرفها البشر ومنذ مارسوها. وهذه الجماعية تطورت وهذبت ومرت بطفرة فى عام 1974 عندما قدمت هولندا كرتها الشاملة.. وأصبحت معادلات المدربين هى توظيف المهارات الفردية ودمجها فى الأداء الجماعى. فليس صحيحا إذن أن مونديال جنوب إفريقيا كشف لنا عن أهمية جماعية اللعب. لأنها مكتشفة منذ عقود..إلا أن ترديد ذلك اليوم يساوى أن تعلن فى مؤتمر صحفى عالمى: «الذهب معدن نفيس..»..... يا سلام!.