هذا هو أكثر الأوقات التي تحتاج من المصريين إلي إعلاء صوت العقل.. والتمسك بالحكمة.. من أجل إعادة بناء وطنهم مصر.. مصر الباقية.. مصر الشامخة قبل الأنظمة وبعد الأنظمة.. مصر التي ستبقي لكل أبنائها رغم تنوعهم وتعددهم.. ورغم اختلافهم في التوجهات السياسية والفكرية والأيديولوجية.. وأيضا رغم اختلافهم في الدين والعرق واللون والجنس. قلت من قبل.. وقال كثيرون غيري.. وأقولها اليوم: لن يبني مصر فصيل واحد ولا تيار واحد مهما أوتي من قوة ومن قدرة.. ولن يتحمل مسئولية هذا الوطن العظيم الكبير حزب واحد.. ولن تكون مصر أحادية أبداً. وإذا أراد أي نظام أن ينجح وينطلق فلابد أن يفتح صدره لكل أبناء الوطن.. ويستوعب كل أبناء الوطن.. بلا اقصاء ولا تهميش.. ولا إثارة للكراهية والبغضاء بين الفصائل والأطياف السياسية.. وأن يضع من النظم والتشريعات ما يكفل مشاركة الجميع.. المعارضين قبل المؤيدين.. هذا هو التحدي الحقيقي في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ أمتنا. وعلي الجانب الآخر فلابد أن تستشعر المعارضة مسئولية الشراكة الوطنية ولا تعزل نفسها عن تيار البناء الوطني.. وليكن شعار الطرفين "لا عزل ولا انعزال". المعني الذي أقصده أن السلطة لا تعزل المعارضة ومن يخالفها في الرأي والتوجه.. والمعارضة لا تعزل نفسها عن المشاركة وتتقوقع وتتخندق. مصر الآن في حاجة إلي الجميع.. في حاجة إلي مصالحة وطنية حقيقية تقوم علي أسس صحيحة.. أسس تعاقدية واضحة المعالم.. وأرجو أن يخرج من بيننا نيلسون مانديلا مصري يؤمن ايماناً راسخا بأن مصر للمصريين جميعا.. وأن كل من يعيشون علي أرض هذا الوطن لهم حقوق متساوية.. وعليهم واجبات متساوية.. لافضل لأحد منهم علي الآخر إلا بقدر ما يعطي ويخلص.. لكل مواطن الحق فيما يؤمن به سياسيا ودينيا وفكرياً لا تجريم للفكر والمعتقد.. لكننا جميعا متساوون أمام الدستور والقانون. حين يأتي هذا الرجل بهذا الفهم ستكون مصر قد قطعت شوطاً طويلا في طريق البناء والتنمية والاستقرار.. وسيكون مستقبل مصر أكثر اشراقا.. لأنه بلا شك سيجمع كل القوي والأحزاب من حوله.. وسيعطيها الحماس والثقة والاطمئنان لكي تشارك في الانتاج والنجاح.. وتشارك أيضا في الحياة السياسية بكل فاعلية. ان قوة مصر في وحدتها.. وأيضا في تنوعها.. ومن لا يدرك هذا التنوع ويتعامل معه بجدية سوف يخسر ويسقط.. ومستقبل مصر لا يمكن أن يكون حكراً علي فصيل بعينه دون الآخرين. ليس متصوراً أن ينطلق الليبراليون أو الناصريون إلي المستقبل بنجاح بدون الإسلاميين من الإخوان والسلفيين وغيرهم.. بالضبط كما أنه ليس متصوراً ولم يكن متصورا أبداً أن ينطلق الإسلاميون وحدهم لبناء مستقبل مصر بدون الليبراليين والناصريين والشيوعيين وغيرهم. لابد أن نتعلم من التجربة والخطأ.. ونتعلم أيضا من تجارب الشعوب التي سبقتنا في مضمار التحول الديمقراطي وعرفت كيف تتعايش وتتعاون وتتسامح من أجل بناء أوطانها. في هذا الصدد أريد أن أنبه إلي خطورة الكلام الذي يتداوله البعض هذه الأيام عن اقصاء فريق من أبناء الوطن والقضاء عليهم والانتقام منهم.. وهذه رؤية مدمرة.. تهدم ولا تبني.. وتشدنا إلي الوراء.. ولا تشجع علي المصالحة والاندماج.. ولا شك أن العقلاء في هذا الوطن يرفضونها جملة وتفصيلا.. لأن العنف لا يولد غير العنف.. والكراهية لن تأتي إلا بكراهية أكثر وأكثر.. وتزج بالوطن في دائرة الثارات التي لا تنتهي. في الوقت ذاته أريد أن أنبه إلي خطورة ما يتداوله البعض عن الانتقام المضاد والهرولة إلي العنف.. وليت هذا البعض يدرك أن من يلجأ إلي العنف فهو خاسر خاسر. حذار.. وألف حذار.. من الاندفاع إلي دائرة العنف.. والسعي إلي إثارة الفوضي.. فمصر أهم من الاشخاص.. وأهم من التيارات والأحزاب.. وكما قلت في هذه الزاوية الأسبوع الماضي فإن كرسي السلطة لايستحق أبداً أن تسال من أجله نقطة دم واحدة.. الدم المصري حرام علي كل المصريين. مصر القلقة المتوترة في حاجة إلي أن تهدأ.. وفي أمس الحاجة إلي صوت العقل.. إلي هدنة تستريح فيها من التوتر والقلق.. مصر في حاجة إلي فترة من الاستقرار تلتقط فيها أنفاسها حتي يخرج من بين صفوفها مانديلا الذي يجمع شتاتها ويضمد جراح مواطنيها. ولكي يحدث ذلك يجب علينا أولا ان نقدم خطابا إعلاميا وسياسيا تصالحيا.. يجمع ولا يفرق.. يقرب ولا يباعد.. كفانا استقطابا وصراعا.. كفانا انقساماً.. من يملك القدرة علي تبني هذا الخطاب فليتقدم أما من لا يزال علي تعصبه وكراهيته فليفسح المجال لغيره. هذا وقت التسامح والتصالح وترشيد الاندفاعة الثورية في الشارع المصري.. نريد أن نهدأ ونفكر ونتشارك معا لحل مشاكلنا المزمنة وبناء مستقبل الوطن الذي هو وطن الجميع. إن جانبا كبيرا من الانقسام الحاد الذي تعاني منه مصر حاليا يرجع إلي لغة الخطاب الإعلامي المنفلت.. الإقصائي.. الذي لا يعترف بالآخر.. ناهيك عن أن يحترم هذا الآخر ويقدر حقوقه.. يستوي في ذلك الانفلات بعض من الإسلاميين المتطرفين غير الناضجين سياسياً الذين اتهموا منافسيهم بالكفر.. وبعض من هؤلاء المنافسين الذين اتهموا الإسلاميين بالخيانة. دعونا نخرج من هذه الدائرة الجهنمية إلي خطاب إعلامي وسياسي جديد يقوم علي احترام الآخر والاعتراف به وبناء الثقة معه.. دعونا نجرب.. دعونا ننظر إلي الأمام.