تشعبت أزمة سد النهضة الأثيوبي. ولم تعد مقصورة علي دولة واحدة. بل امتدت إلي باقي دول المنبع. وكأن هناك عدوي انتشرت من أديس أبابا إلي هذه الدول. واعتقد أن الأزمة استفحلت نتيجة لغياب رؤية صحيحة لحجم المشكلة في بداية الحديث عنها الأمر الذي جعلنا ننظر إليها باستخفاف دون أن نعي حقيقة تأثير السد الأثيوبي علي حصتنا من المياه.. وعندما أفقنا متأخرين لم نستطع أن نلم شتات فكرنا فتخبطنا في تصرفاتنا وتصريحاتنا وأخذ كل منا يدلي بدلوه في المشكلة دون أن نحدد خريطة واضحة للمسار الذي يجب أن نسلكه في علاجها. هناك أنباء عن ان كلاً من أوغندا وتنزانيا قررت بناء سدود علي النيل لانتاج الكهرباء.. وهناك أخبار بأن أثيوبيا تلقت في الأيام الماضية عروضاً من دول في منطقة الشرق الأوسط لمساعدتها في بناء السد. وبلغ أحد هذه العروض 4 مليارات دولار بشروط ميسرة ومن بينها دولة إسلامية غير عربية. وكشفت صحيفة الأخبار عن هذه الدول التي عرضت مساعدة أثيوبيا وقالت في مانشيت رئيسي ان الإمارات وإسرائيل وتركيا تمول السد.. في نفس الوقت نشرت صحيفة "الشروق" أن السودان اتخذ خطوات غير معلنة في اتجاه العودة لمبادرة حوض النيل دون التشاور مع مصر الأمر الذي يضعف القاهرة بسبب اعتمادها الأساسي في صياغة موقفها علي التنسيق مع الخرطوم. وإذا طرحنا جانباً رد فعل أثيوبيا علي ما ردده المجتمعون في اللقاء الذي دعا إليه الرئيس الدكتور محمد مرسي والغضب الشديد الذي عبر عنه المتحدث باسم حكومتها عندما ذكر أن اقامة السد لا تخضع لرغبة الأحزاب السياسية في مصر. ووصف الدعوة لتدمير السد بأنها أحلام يقظة.. إذا طرحنا كل هذا جانباً فإن الوقت قد حان لكي نقف وقفة مختلفة نحاول ان نعالج بها تشوهات المرحلة السابقة. هذه المشكلة تحتم علي الرئيس أن يشكل لجنة علي أعلي مستوي لا تعتمد علي أهل الثقة بقدر ما تعتمد علي أهل الخبرة والاختصاص. وليسمح لي السيد الرئيس أن أذكره بأن غضبنا من نظام مبارك الذي أدي الي قيام هذه الثورة لا يمنعنا أن نشيد بالتصرف الذي لجأ إليه الرئيس السابق عندما شكل لجنة علي أعلي مستوي من أهل الخبرة ومن خارج كوادر الحزب الوطني لادارة أزمة التحكيم في موضوع "طابا" وكانت برئاسة رجل القانون العلامة الدكتور وحيد رأفت وكيف نجحت هذه اللجنة في كسب القضية لصالح مصر. من هنا نقول إن اللجنة المطلوب تشكيلها يجب أن يتم اختيارها بعناية وحيدة وتراعي فيها مصلحة الوطن ولا شئ غيره.. لجنة تضم خبراء في القانون الدولي. وخبراء في بناء السدود.. وخبراء سياسيين.. وخبراء في ادارة الموارد المائية.. وخبراء في المعلومات وغير ذلك مما تقتضيه المصلحة العامة.. وأحب أن أنوه هنا إلي انه يوجد خبير مصري عالمي في القانون الدولي يسمي علي الغتيت. ولا ننسي أن تعاملنا مع أثيوبيا والسودان وبقية دول حوض النيل يجب أن يتم بروح الأخوة والحرص علي تحقيق المصالح للجميع وعدم الإضرار بمصلحة مصر. نريد أسلوباً جديداً في التعامل مع الأزمة أسلوباً علمياً ودبلوماسياً.. أسلوباً بعيداً عن العشوائية والمظهرية والعنترية.. يمتنع فيه الجميع عن الادلاء بأية تصريحات إلا من خلال المتحدث باسم لجنة ادارة الأزمة. أخطأنا.. وتصرفنا بعشوائية.. ومازال في الامكان إصلاح الخطأ.