كنا نتوقع ان يتعرض الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية شخصيا لحملة من القصف الإعلامي من جانب إسرائيل بعد تصريحاته الأخيرة بشأن فتح صفحة جديدة مع إيران وحزب الله والتعامل بشكل مختلف مع معبر رفح.. وكنا نتوقع أيضا أن تتعرض مصر الثورة لحملة تشويه واسعة من جانب إسرائيل في أوروبا وأمريكا بسبب هذه التوجهات الجديدة في سياستها الخارجية. وكانت أبواق النظام السابق تردد سرا وعلانية انه إذا سقط مبارك فسوف تكون الفوضي هي البديل.. وسوف تسقط مصر في أيدي التنظيمات المتطرفة دينيا الموالية لإيران وحماس والإخوان وبالتالي سوف تتغير علاقات مصر وتحالفاتها.. ولن يمر وقت طويل حتي تندفع إلي حرب مع إسرائيل. لذلك عندما أصدر د.نبيل العربي تصريحاته التي تعبر عن الضمير الشعبي والانتماء القومي والإنساني لمصر توقعنا علي الفور ان تخرج أبواق الدعاية الصهيونية في كل دول العالم تهاجم مصر الثورة.. لكن الذي حدث فعلا ان القصف الإعلامي بدأ عربيا ومصريا. وللتذكرة.. فإن د.العربي كان قد قال في تصريحات متتالية ان إيران ليست عدوا لمصر.. ونحن نفتح صفحة جديدة مع كل دول العالم بما فيها إيران.. وإذا كانت هناك مخاوف وتوجسات أمنية أو دينية فيجب ان تناقش بكل وضوح وتوضع في موضعها دون أي حساسيات مثلما تفعل دول العالم.. فكل الدول تبحث عن مصالحها ونحن أيضا يجب ان نبحث عن مصالحنا مع إيران إن كانت لنا معها مصالح.. وهذا ليس عيباً خصوصا ان كل دول العالم تقيم علاقات طبيعية مع إيران ما عدا دولتين فقط هما أمريكا وإسرائيل.. دول أوروبا جميعا لها علاقات كاملة مع إيران.. ودول الخليج جميعا لها علاقات كاملة مع إيران.. بما في ذلك السعودية والبحرين والإمارات المتنازعة مع طهران حول الجزر الثلاث في الخليج العربي. وقال أيضا إن مصر لا تمانع في ان تتلقي أي اتصال من حزب الله بشرط ألا يؤدي ذلك إلي أي تدخل في شئون لبنان.. أما فيما يتعلق بمعبر رفح فقد أكد ان مصر تجري مراجعة لعمل المعبر.. واعترف بأن موقف مصر أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير علي غزة كان مخجلا وشائنا.. ويقترب من جريمة حرب. ومنذ أن كشف وزير الخارجية عن هذه التوجهات خرجت صحيفة "الأخبار" يوم الأربعاء الماضي تحمل عنوانا بارزا يقول "ثورة في سياسة مصر الخارجية". وبعد يومين.. وفي عدد الجمعة الماضية.. نشرت "الأخبار" مقالا لأحد كتابها علي الصفحة الأخيرة تحت عنوان "معبر رفح.. إيران.. والموقف الغامض" يقول فيه إن تصريحات د.العربي ينتابها غموض يحتاج إلي إعلان قريب عن الخطوط الرئيسية لموقف مصر من معبر رفح وإيران.. ويضيف ان القضية ليست تعنتاً في إغلاق المعبر واتهامات بحصار الأشقاء في غزة أو فتحه سداح مداح حينما يأتي هذا علي هوي حركة حماس. ويردد الكاتب نفس المنطق الذي كان يتكلم به النظام السابق ويستخدم نفس المفردات.. فأمن مصر القومي والخوف من الجماعات الإرهابية ومصلحة مصر وشعبها تتطلب إغلاق المعبر حتي بإجراء المصالحة الفلسطينية.. كما ان وجود شارع في طهران باسم الإسلامبولي قاتل السادات يعبر عن قناعة إيرانية بالفكر الإرهابي.. والرسالة التي تحملها تصريحات د.العربي هي تبني مصر رسميا لبعض رموز التيارات الإسلامية المرتبطة بالفكر الإيراني.. والتخوف من ان يتم افتتاح سفارتين في القاهرةوطهران دون تغيير في الفكر الإيراني وتوجهاته السياسية. والمغالطة الكبيرة في هذا المنطق أنها تربط العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بتغيير الفكر والتوجهات لدي الآخرين.. وكأننا لا نقيم علاقات إلا مع الدول التي نتفق معها في الفكر والتوجهات السياسية. وفي يوم الأحد -أمس الأول- خرجت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي تصدر في لندن بمقال لرئيس التحرير طارق الحميد تحت عنوان "الغزل المصري الإيراني" بدأه بأنه من الصعب فهم مبررات الغزل المصري الإيراني.. فقد جاءت تصريحات د.العربي في وقت تتوتر فيه الأجواء العربية مع إيران خاصة السعودية والكويت والبحرين ولبنان واليمن.. بالإضافة إلي ان مصر نفسها بدأت تشكو من المد السلفي والإخواني فكيف تتهادن مصر مع إيران في هذا الوقت؟! ونقل الحميد من تصريحات مبارك ونظامه فقرات مطولة عن خطورة نظام الملالي وحزب الله.. ثم إن حكومة مصر هي مجرد حكومة تسيير أعمال لا يحق لها أن تبت في أمر استراتيجي كالعلاقة مع إيران. لم يسأل الرجل نفسه سؤالا واحدا: هل دول الخليج قطعت علاقاتها مع إيران.. أم أن الأمر حلال لهم حرام علي مصر التي يجب أن تظل دائما ثالثة الثلاثة في معسكر مقاطعة إيران إلي جانب أمريكا وإسرائيل. مصر الآن تنزع رداء الخوف وتتعامل مع الجميع بقوة.. وبما يحقق مصالحها.. ولو كرهت ذلك أمريكا وإسرائيل.. ولو كره أيضا بعض العرب.