من الثمار العظيمة لثورة 25 يناير المباركة بعد الحرية وسقوط النظام الفاسد بكل أركانه هي عودة الانتماء لبلدنا ومحاولة كل مواطن أن يثبت أنه جدير بمصريته وقد ظهر هذا جليا منذ اللحظة الأولي في حملات النظافة التي قادها شباب الثورة لإعادة الشيء ليس لما كان بل أفضل مما كان. إن القضية التي أنا بصددها قضية قومية تتعلق بالبحث العلمي. فكم عاني صغار وكبار الباحثين في فترة ما قبل 25 يناير 2011 من كبت وإحباط ومناخ لا يمت بصلة للبحث العلمي ومن ميزانيات هزيلة لا تتعدي 0.2% من الدخل القومي. والتقليل من المكانة الأدبية للباحثين والعلماء مما دفع الكثيرين منهم للهجرة فخسرنا نخبة من خيرة أبناء مصر. إن ذلك الوضع المتردي الذي كان عليه البحث العلمي كان بسبب عدم إيمان القائمين عليه بأهميته وبدوره في تحقيق التقدم المنشود علي جميع المستويات فالتعليم والبحث العلمي هما ركيزتا أية دولة ترغب في مسايرة ركب الدول المتقدمة. والآن.. وفي ظل مناخ الحرية الذي نعيشه. والأمل في مستقبل أفضل لابد من معالجة السلبيات التي كانت تعوق حركة النهضة والبحث العلمي.. فكيف نتقدم في هذا المجال وجموع الباحثين لا يجدون العناية والرعاية المادية حيث نجد أن راتب الباحث لا يكفي نفقات أسرته؟ ثم كيف ينجز أبحاثا ذات قيمة علمية في ظل عدم وجود دعم من الدولة أو المؤسسات غير الحكومية يبدأ أولا من تحسين ظروفه المعيشية ويحقق له ولأسرته حياة كريمة تمكنه من التركيز في أبحاثه. أيضا من السلبيات التي يجب مواجهتها تشعب الأماكن البحثية بكافة تخصصاتها فهناك من يتبع وزارة البحث العلمي مثل المركز القومي للبحوث ومنها من يتبع الزراعة مثل مركز البحوث الزراعية وأخري تابعة لوزارة الصحة مثل الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية التي أعمل بها والتي لا يلقي فيها الباحثون "العاملون بالكادر الجامعي قانون 49" العناية الكافية من وزير الصحة حيث مازلنا نبحث عن بعض مستحقاتنا التي حصل عليها زملاؤنا بالمراكز البحثية الأخري مثل بدل البحث 200% وبدلات الدعوي والتغذية مما يشتت أذهاننا ويشعرنا بالظلم بل الأخطر من ذلك أنه يطالبنا بالقيام بالأعمال الرقابية علي الأدوية في ساعات العمل اليومي ويحظر علينا الأعمال البحثية في ذات الوقت إلا بعد المواعيد الرسمية. أيضا نعاني من انعدام المؤتمرات والندوات العلمية والزيارات المتبادلة بين الدول المختلفة وبين المراكز العلمية الأخري مع عدم وجود خطط بحثية وأهداف موحدة نسعي لتحقيقها وغير ذلك من مسببات الإحباط التي أحيانا ما نشعر أنها متعمدة. إننا أبناء مصر ولا نهدف إلا لدفع بلادنا تجاه الرقي والتقدم. وعلي الرغم من كل ما نواجهه من محبطات فإننا نؤمن بأننا ترس في منظومة التقدم العلمي والاقتصادي لبلادنا وندافع عن هذا الهدف. فهل نأمل في مزيد من الرعاية وتوفير المناخ الملائم المادي والمعنوي للإبداع والتفكير والابتكار والبحث والمنافسة في ذلك السباق العلمي الذي تشترك فيه كل دول العالم المتحضر؟ ولماذا لا يكون هناك مشروع قومي للبحث العلمي في مصر يستوعب كافة الباحثين في مختلف التخصصات في كيان مؤسسي واحد بدلا من تفتيتهم في جهات متعددة؟ د. إسماعيل محمود علي