تشهد الساحة هذه الأيام موجة من الآراء والأقاويل التي تتضمن هجوماً علي رموز وثوابت الأمة الإسلامية وتثير الفتن بين مختلف الفئات مما يؤدي إلي نشوب معارك وتطاول بين كثير من القائمين علي شئون الدعوة أو المنتسبين اليها. ويتم طرح أفكار واتهامات لا يليق ان تصدر من انسان ينتمي إلي أهل الدعوة والدعاة. يكيل الاتهامات دون سند من الادلة ولعل آخر هذه الافتراءات ما يتردد علي ألسنة هؤلاء ضد كبار الصحابة وأمهات المؤمنين مما يتنافي مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والتي تنص علي عدم اتهام ورمي أي انسان أو امرأة- دون شهود أربعة. وان مرتكب هذه الأعمال فاسق. وأية سورة النورة تؤكد هذه الحقيقة التي لا تقبل أي مراء أو مجادلة وهي: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين" 23. 24. 25 النور. وهذه الأفكار والآراء ترجع إلي التعصب والتطرف والجمود مما يشكل عقبات في طريق الدعوة والدعاة والأكثر غرابة أنها تصدر ممن يزعمون أنهم ينتمون إلي جهات الدعوة. ويطرحون آراء غريبة. كلها دخيلة علي المجتمع المسلم.. وهذه الحقبة تشهد مجموعات من الاشخاص يتعصبون لآرائهم وأفكارهم ويهاجمون من يعارضهم. من بين هؤلاء أشخاص يطلقون اللحي ويرتدون أثوابا قصيرة ويزعمون ان التدين عبارة عن لحية وثوب قصير وآراء متعصبة لا تعرف الوسطية وكل من لا يرتدي هذا الزي من الملابس القصيرة والتي يكملها بنطلون تحت الثياب ويطلق اللحية لا يصح ولا يجوز أن نستمع اليه. وقد صادفت كثيرا من هؤلاء ومن الغريب أنهم لا يصلون خلف امام بدون لحية ويعتزلون المساجد ويصلون في زوايا أو مساجد خاصة بهم. ومجموعات أخري يصيبها الجمود والتشبث بالآراء دون اعتراف بتطور الزمن والأوقات ويتصيد تغيير الآراء فها هو الإمام الشافعي كانت له آراء ومذهب في القديم أثناء تواجده بالعراق وفي مصر كان له رأي آخر. وفقا لمقتضيات الأحوال والأماكن. لتيسير ومراعاة الأحوال والظروف هي مهمة الداعية. وأهل الدعوة لا يعرفون الجمود. ويقتدون بالصحابة في احترام الآخر وعدم التطاول علي من يخالفهم في الرأي وعندما ينتقدهم الآخرون عند اصدار رأ ي ثم الرجوع عنه كانوا يقولون: هذا علي ما رأينا وذاك علي ما نري. احتراما وتقديرا. ولعل هذا الاختلاف وذلك الشقاف بين العاملين في حقل الدعوة ممن يساهم في تخلف العالم الإسلامي ويحول دون انطلاقه. هناك بعض المنغلقين والذين أصابهم الجمود ويصبون جام غضبهم علي من يخالفهم ابتداء من الملابس وحتي الآراء ومن يتأمل ما يجري بالساحة والفضائيات يصاب بغصة ويعتريه الحزن والأسي لأن الآراء متضاربة وكل يتهم الآخرين في دينه ومعتقداته وليت الأمر اقتصر علي الكلمات فقط وانما امتد للتشابك بالأيدي والتهجم علي بعض المواقع الإعلامية مع ترديد أقوال لا يليق أن تصدر في بلاد تنتمي إلي الأمة الإسلامية. ولاشك ان هذا الابتلاء الذي منيت به الأمة الإسلامية يجعل مسيرتها بطيئة نحو الرقي والنهضة نتيجة تشتت الآراء وافتراق أهل الفكر والدعوة وقد صادقت أحد الذين ينتمون إلي لون من هذا التعصب فحينما دخلت المسجد ومعي صحيفة اذا بإمام المسجد يناديني بأعلي صوته فاتجهت نحوه ماذا جري يا أخي؟ فقال: دخول هذه الصحيفة للمسجد حرام؟ قلت: ولماذا؟ قال لأن بها صور وهي حرام. فامتثلت لرأيه وسلمته الصحيفة لكي يحتفظ بها في مكان ثم احصل عليها بعد الصلاة وكان الحديث بكل رحابة الصدر وسعة الأفق. وبعد الانتهاء من الصلاة اتجهت نحو هذا الرجل وأخذت الصحيفة ثم اجريت معه حواراً قصيراً كالتالي: هل معك نقود ؟ لماذا؟ لكي أطلع عليها اخرج من جيبه ورقة مالية عليها صورة فأخبرته أليست هذه صورة مماثلة لما في الصحيفة؟ فكانت اجابته بأن المسئولية ليست عليّ وانما علي من وضع الصورة بالطبع اجابة قاصرة فالعلماء اجمعوا علي ان الصور الفوتغرافية ليست حراما. والأكثر أهمية ان هذا الامام يشغل وظيفة كاتب باحدي الهيئات الحكومية وليس له أي علاقة بالدعوة ولا يمتلك مؤهلا يرشحه للافتاء أو اصدار رأي. ولم يدرك أن الله قد خاطب الجميع قائلا: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" 7 الأنبياء. وأهل الفتوي من أمثال هذا الرجل كثيرون في عالمنا العربي والإسلامي. وهي المصائب التي تشغل بعض الدول العربية هذه الأيام. هذا الواقع الأليم يتطلب مواجهة هؤلاء المتطرفين والمتعصبين والمتشبشين بآرائهم بحكمة وصبر وأفق يستوعب كل الآراء والرد عليها من أهل العلم والفكر بأسانيد وأدلة لا تحتمل الجدل والرد علي الأفكار في اطار من المودة والشفافية وليكن الاحتكام الي النصوص الصريحة والفهم الصحيح لوسطية الإسلام واعتداله. الغلو والتطرف والتعصب كلها أفكار بعيدة عن الدين الحنيف وان يكون لدي العلماء وأهل الفكر وضوح في الرؤية والاذعان لتعدد الآراء والاجتهادات طالما كانت في اطار من الاعتدال وتتفق مع القرآن والسنة الصحيحة والآفاق المعروفة في الاجتهاد واستنباط الاحكام وان يكون القائمون بهذه المهام من المشهود لهم بالكفاءة ورحابة الصدر وعدم الضيق بالآراء أيا كانت صورتها أو تطرفها وأن يكون أمام هؤلاء جميعا تلك الحكمة التي تقول: رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي الآخرين صواب يحتمل الخطأ وقد كان السلف الصالح يتراجعون عن آرائهم اذا ثبت ان هناك رأيا آخر يستند الي الشرع والوسطية والاعتدال. كما يجب ان يقوم هؤلاء العلماء من كل الاتجاهات والأفكار بعقد الندوات واللقاءات والمناظرات ومناقشة- مختلف الآراء بصبر وفكر مستنير وان يكون عنصر الوقت كافيا. المهمة صعبة والمسئولية مضاعفة لكن لا سبيل أمام العلماء والمفكرين سوي هذا الأسلوب. اذا أردنا القضاء علي هذا التطرف أو حتي علي الأقل الحد من الغلو والتعصب والجمود المقيت. الاتفاق علي كلمة سواء بين معظم هذه الاتجاهات أو الكثير منهم أفضل من ترك الأمر علي هذه الصورة التي تسيء للاسلام والمسلمين وتقدم للعالم صورا من هذا التشرذم وتلك الاختلافات ويكفي ان نلقي صورة علي ما يجري من خلاف بين هذه الطوائف وليدرك الجميع ان تقصير العلماء وأهل العلم من كل المذاهب وتقاعسهم عن نشر الوسطية والاعتدال هو الذي أدي إلي انتشار تلك الفرق والصور المتناقضة في الدول العربية والإسلامية أعتقد جازما ان العلماء اذا نهضوا بهذه المهمة فسوف تعود إلي الأمة الاسلامية صورتها المشرقة وسوف تتوافق الجهود والآراء لتطوير بلادنا وتنعم بوحدة الهدف ولا مانع من اختلاف الآراء في إطار من المحبة والالتزام كما كانت في أيام الزمن الجميل. فلم تر الأمة الإسلامية اختلافا وقيام غير المختصين بالافتاء في أمور الدين والسنة دون علم أو دراسة تؤهلهم للقيام بتلك المهام الجليلة. يا أهل العلم كفانا تفرقا واختلافا وجحودا في عصر تفوق فيه الانسان في مختلف العلوم والاتجاهات وصدق الله العظيم إذ يقول: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون".