فتوي الإمام علي خامنئي من أهم علماء الشيعة والمرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية بتحريم الإساءة لصحابة سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - أو المساس بأمهات المؤمنين.. قد أزالت الكثير من الهم الجاثم علي الصدر نتيجة تشتت الآراء والأفكار وتنوع المذاهب بين علماء المسلمين من السنة والشيعة بالإضافة إلي تطاول بعض علماء الشيعة علي الصحابة وتناول أمهات المؤمنين بالقول المشين والإساءة إليهن دون سند من الأدلة وتجاهل لآيات القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية حيث أكدت الطهارة وبرأت ساحتهن من أي اتهامات. كما بددت هذه الفتوي الكثير أيضا من الظلمات والملابسات التي أحاطت بفرق الشيعة وأكدت أن المعتدلين من هذه الفرق يرفضون الإساءة للصحابة الأجلاء. وكذلك لأمهات المؤمنين الفضليات اللاتي جعلهن الله أمهات لسائر أبناء العالم الإسلامي فقد قال الله في سورة الأحزاب "النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلي أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا" "6 الأحزاب". وقبل أن تصدر هذه الفتوي من أعلي مرجعية في الشيعة كانت الساحة تموج بكثير من الفتن بسبب أقوال مجنونة من أحد المنتسبين إلي أهل الشيعة تطاول خلالها علي الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة أم المؤمنين بنص القرآن وثارت مجادلات ومساجلات بين أبناء الأمة الإسلامية أدت إلي انشقاقات وخرجت المناقشات عن حدود اللياقة والآداب التي ما كان يجب أن تصدر عن رجال ينتسبون إلي الإسلام ويدعون للالتزام بالقيم. للأسف الشديد لم يفطن هؤلاء مثيرو هذه الفتن إلي ما يدبر لأبناء العالم الإسلامي من مؤامرات وحملات تستهدف تشويه صورة الإسلام ومبادئه. وإلصاق تهم العنف والإرهاب والبلطجة بالمسلمين. بالإضافة إلي النيل من القرآن الكريم. وقد رأينا وسمعنا هذه الإساءة لكتاب الله - عز وجل - من أحد أبناء الطوائف الأخري. وما كان يجدر أن تصدر هذه البذاءات من رجال كنا ندخرهم للرد علي الحملات التي تشن في أمريكا ودول الغرب بأوروبا. وهذه الأقوال التي نسبت إلي أحد علماء الشيعة حركت نوازع الغضب بين المسلمين في كل أنحاء العالم وحركت المشاعر التي قد تدفع البعض إلي ارتكاب حماقات ضد أشقائهم من المسلمين. والصورة أصبحت تثير الأسي والحزن بسبب هذه المهاترات والتناول السييء لرموز أمتنا من الرجال والنساء. والترحيب بفتوي هذا المرجع الشيعي يجب أن تكون خطوة علي طريق رأب الصدع والسعي بكل جهد إلي التقريب بين المذاهب والضرب علي أيدي كل من يحاول العبث بمقدسات هذه الأمة التي اغترف العالم شرقا وغربا من حضارتها واستفاد كثيرا من نوابغها في شتي العلوم والمعارف. إن الأمر يتطلب الوقوف صفا واحدا وتجاوز الخلافات والتصدي لكل من تسول له نفسه بث نوازع الخلافات ونشر الفتن لإضعاف هذه الأمة وبذر التشتت والتشرذم بين علمائها. في محاولة للحد من نهضة هذا العالم الإسلامي وعودته إلي عصور التخلف وإذكاء نيران الخلافات لكي ينشغل الجميع بتلك الخلافات التي لا تؤدي إلي تقدم أو تساهم في ازدهار الحركة العلمية أو إثراء البحث العلمي بين دور البحث والتعليم. أعتقد أنه قد آن الأوان للقيام بمبادرة تستلهم تاريخ هذه الأمة في وحدة الصف والهدف والعمل الجاد البناء. وتجاوز الخلافات المذهبية التي تساهم في اتساع رقعة الخلافات والتصدي لمثيري هذه الفتن بأسلوب علمي وتفنيد للمزاعم التي يرددونها والرد علي الشبهات بعقلانية ورحابة صدر تستوعب كل الآراء والسعي نحو جمع الصفوف ورأب الصدع والتأكيد علي أن القواعد الأساسية كلها واحدة والخلافات تنحصر في بعض الفروع فقط. أما الذين يشتطون في أفكارهم ويتجهون نحو الفتن والخلافات فواجب العلماء من السنة والشيعة المشهود لهم بالوسطية والاعتدال التصدي لهؤلاء بالحكم والقول اللين ولفت أنظارهم إلي المحاولات المستميتة التي يبذلها خصوم هذه الأمة لكي تستمر الخلافات مشتعلة لتقويض وحدة الصف ونهب خيرات هذه الأمة ويكفي ما نراه ماثلا في أراضي العراق وأفغانستان وغير ذلك من بلدان العالم الإسلامي التي تكتوي بنيران هذا التشرذم المذهبي وتشبث كل فريق بآرائه والتعصب لها. ولا شك مهمة الأزهر متمثلة في الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وكبار علماء السنة والمرجعيات من الشيعة لاستكمال مسيرة التقريب بين المذاهب التي بدأ أولي خطواتها فضيلة المرحوم الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق والدعوة إلي عقد لقاءات بين علماء السنة والشيعة وتبادل الآراء والأفكار في إطار من وحدة الهدف والمصير وانطلاقا من قول الله تعالي "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وقوله تعالي: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" ويقع في مقدمة الأمر بالمعروف العمل الجاد من جمع الكلمة والتصدي لنزع فتيل الخلافات بين العلماء وتشجيع الاجتهاد الذي يساهم في إغلاق ملف الفتنة بكل الوسائل ولا يمس وحدة الأمة بكل فئاتها وطوائفها وعقد الاجتماعات لمناقشة كل الآراء بموضوعية وسعة الأفق والاستماع لكل اجتهاد يساهم في بناء صروح الوحدة. وأن تكون العقلانية هي أساس الحوار والمناقشات الهادئة هي الأسلوب الأمثل بعيدا عن الأصوات العالية والتشنج الذي لا يقدم ولا يؤخر والابتعاد بكل الوسائل عن التعصب لفكر معين طالما يؤدي إلي استمرار الخلافات مع لفت الأنظار إلي ضرورة توخي الحذر في النيل من بعضنا البعض أو التطاول علي رموزنا وثوابتنا. ليدرك الجميع أن الله سوف يحاسب المقصرين والمتخاذلين عن جمع كلمة المسلمين علي كلمة سواء تدعم وحدة الصف ورأب الصدع بين المتصارعين من أصحاب المذاهب وليكن رائد الجميع تصفية الخلافات والالتقاء حول كلمة تجمع الصف وتسعي بكل جهد إلي صالح هذه الأمة التي تتربص بها مؤامرات الآخرين. وليدرك الجميع مدي خطورة هذه الخلافات علي صروح هذه الأمة من الثروات والثوابت العقائدية. فالكل في مركب واحد. ونيران الخلافات وتسعيرها لن ينجو منها أحد. وليت الجميع يدرك ذلك قبل فوات الأوان.. وليدرك كل واحد من هؤلاء أن الله سوف يحاسب المقصرين ومثيري الفتن التي تؤدي لهدم تلك الثوابت. "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد".