منذ ما يقرب من ثمانين عاما وقصص "الاختطاف" من المواضيع المحببة في السينما الامريكية باعتباره مصدرا نموذجيا لافلام الأكشن والاثارة. والتاريخ الامريكي يحفل باختطاف العبيد. من السواحل الافريقية والعودة بهم إلي العالم الاستعماري الجديد "امريكا" يزرعون ويحصدون ويجنون القطن ويخدمون داخل بيوت البيض. ومنذ القرن السادس عشر شاعت تجارة العبيد في افريقيا وبلاد العرب. وأوروبا وامتلأت البحار والمحيطات بالسفن المحملة "بالسود" باعتبارهم السلعة الرائجة في تجارة الرقيق. ومن أجل خدمة المستعمرات الجديدة. واستمر الحال حتي القرن التاسع عشر وباشكال مختلفة ومتنوعة حتي يومنا هذا. التاريخ البشري يمتليء بعمليات "الخطف" من اختطاف "العبيد" وحشدهم كالحيوانات إلي اختطاف السفن والطائرات إلي أن دخل "الإرهاب" علي الخط وأصبحت عمليات الاختطاف باشكاله موضوعا يحمل المقومات القوية التي تخدم صناعة شعبية واسعة الانتشار جدا الا وهي صناعة "الصور المتحركة". ولم يقتصر موضوع "الاختطاف" علي الانتاج السينمائي وانما امتد إلي الموسيقي "!" والعاب الفيديو. والرقص. وافلام الدعاية. والعاب الاطفال. ويحتل الهجوم الإرهابي بالطائرات علي برجي التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. أهمية كبري في التاريخ المأساوي لعمليات "الاختطاف" وشهادة صارخة ودافعه علي التطور العلمي الرهيب الذي طرأ علي أساليب هذه العمليات الاجرامية ويكشف قوي التنسيق الدقيق بين مجموعة الإرهابيين الذين ارتكبوا ذلك الحادث الذي هز العالم وقاد إلي حرب عالمية بقيادة الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب. الشر المطلق ودخل الإسلاميون وتنظيم القاعدة إلي قلعة الصناعة السينمائية باعتبارهم الشر المطلق والشيطان الذي لابد من محاربته وظهرت العشرات من الأعمال السينمائية. التسجيلية والروائية وتشاركت مجموعة من المخرجين من دول عديدة في انتاج عمل مشترك يتناول الحادثة من وجهات نظر مختلفة. وضمت هذه المجموعة من مصر المخرج يوسف شاهين. ومن إسرائيل أموس جيتاي. إلي جانب مخرجين من فرنسا وامريكا اللاتينية والولاياتالمتحدة. وظهر الفيلم الذي يجمع معا هذه التجارب الكاشفة من وجهات النظر المختلفة تحت عنوان "9/11". وشككت افلام اخري في الرواية الرسمية عن الحادث في فيلم بعنوان "صباح سبتمبر" بطولة مارتن شين وودي هارلسون واد ازنر. حيث كتب صانعوه في بداية الاحداث "نحن الشعب نطالب بتحقيق مستقل ودقيق حول الاحداث الماساوية للهجوم علي برج التجارة العالمي". وقدم المخرج الامريكي اوليفر ستون شهادته علي الحادث في فيلم "مركز التجارة العالمي" مثلما فعل من قبل في حادثة اغتيال جون كيندي ومن الاعمال المهمة التي تناولت الحادث فيلم بعنوان "خلية هامبورج" "hamborg cell" 2004 المستوحي من الاحداث التي سبقت الهجوم ومهدت له. وذلك من وجهة نظر الخاطفين وهم أربعة من الشباب العرب احدهم كان طالب يدرس في هامبورج وهو الذي تولي لاحقا اختطاف "الطائرة 93" وقد ظهر اثناء اقامته هناك عند التردد علي جامع الحي حتي "يكون مسلما صالحا" وملتزما. وقد اتضح انه هدفا جيدا لتنظيم القاعدة وبالفعل نجحت في تجنيده وضمه إلي الجهاديين ومنهم المصري محمد عطا ورمزي بن الشيبة. بعد عشر سنوات من الحادث. استطاعت القوات الخاصة الامريكية ان تأسر مؤسس "القاعدة" بن لادن وتخطفه وتقوم بتصفيته والقاء جثته في المحيط في مايو 2011. ولم يمر عامان حتي قامت المخرجة الامريكية كاترين بيجلو بعمل فيلم عن الحادث يفوز باحدي جوائز الاوسكار .2013 لقد طال التأثير الثقافي لهذا الحدث كافة مظاهر الحياة في الولاياتالمتحدة حسب الدراسات المنشورة وكذلك طال العادات الأسرية ومرات التردد علي الكنيسة وأثر علي الانتاج في السينما والاذاعة والتليفزيون والبرامج وأساليب الدعاية الامريكية ووصل إلي لعب الاطفال ومؤسسات صناعة الترفيه الخ الخ.. ثورة علي السفينة بوانتي ويعتبر فيلم "السفينة بوانتي" من بين أشهر الأعمال التي عالجت فكرة الاختطاف. حيث يصور ثورة مجموعة من البحارة التابعين للقوات البحرية الملكية البريطانية بقيادة فلتشر كريستيان ضد كابتن السفينة ويليام باي وذلك بسبب المعاملة الفظة والقسوة الشديدة ومن ثم كان عليهم ان يخطفوا السفينة ويوجهوها إلي جزيرة تاهيتي ثم يتركونه لمصيره. الفيلم من اخراج فرانك لويد وقام ببطولته شارلز لوتون وكلارك جيبل وقد اختير كأفضل فيلم في عام .1935 اعيد انتاج نفس الحادث التاريخي الذي جري عالم 1789 فوق السفينة بوانتي التابعة للقوات الملكية البحرية. اعيد أربع مرات. الأول عام 1962 وقام بالبطولة مارلون براندو وفي عام 1984 اعيد مرة ثالثة وقام بالبطولة انطوني هوبكتر. نوعية "افلام الاختطاف" تفتح المجال امام اشكال مثيرة من المغامرة. وفيض متدفق من الحركة وشحنات من مشاعر الترقب والاثارة فضلا عن حبكة محكمة. وابطال يتسمون بالجرأة والقدرة المطلقة علي مواجهة الاخطار واللجوء إلي الخديعة وتوظيف ملكة الذكاء وسرعة البديهة وقد رأينا هذه السنة نموذجا مهما من انتاج السينما الامريكية وهو فيلم "Argo" "أرجو" بطولة واخراج بن افلك. إلي جانب "زيرو دارك ثرتي" لكاترين بيجلو. موضوع "الاختطاف" مناسبة نموذجية لتضمين الفيلم ابعاداً سياسية تعكس وجهات نظر موالية أو معادية لاحداث بعينها في التاريخ أو الواقع المعاصر ولقد استخدم هذا الموضوع في افلام "الحرب الباردة" التي استوحت السينما وقائع منها في افلام خيالية أو واقعية مهمة ومنها فيلم "Hunt For Rel october" بطولة النجم البريطاني شون كوونري فالتشويه المتعمد "للحُمر" أي الروس أو للنازية أو للعرب يدخل ضمن موضوعات "الاختطاف". لقد تم استخدام نفس هذه النوعية في معالجات قوية ومتنوعة لادانة الإرهاب الفلسطيني ثم الإرهاب الايدولوجي الذي تمارسه الجماعات الإسلامية وبالذات تيار الإسلام السياسي الذي عادة ما يلجأ إلي السلاح وإلي جرائم الاختطاف معتمدا علي تدريب عالي الكفاءة. وامكانيات مالية ومقومات شخصية ومؤخرا كما في هجوم "11 سبتمبر 2011" إلي كفاءة وعلوم تكنولوجية متقدمة جدا. في وصف الشباب الذين اطلقوا عليهم "خلية هامبورج" نقرأ "أنهم من خيرة الشباب تربية وعلم وكفاءة "!!"" ولكنهم "وهذا من عندي" تم غسل أدمغتهم باسم الدين فصاروا مجرمين. معظم الأفلام المهمة التي تناولت حوادث الاختطاف تحمل جنسية امريكية وقد عُرض اغلبها في القاهرة ومن اشهرها فيلم "Air Force one" وهو الاسم الذي يطلق علي طائرة الرئيس الامريكي التي تتعرض لعملية اختطاف يقوم بها جماعة راديكالية سوفيتية تنتمي للتيار القومي الجديد في الاتحاد السوفيتي "قبل سقوطه" ويقوم بالعملية واحد من هذه الجماعة وهو ثوري جسور ومقتحم قام بدوره "جاري اولدمان" ولكنه يواجه بهزيمة نكراء وينجو الرئيس الامريكي طبعا. وشاهدنا من نفس النوعية سلسلة افلام "داي هارد" "Die hard" بأجزائه الشيقة واحداثه اللا معقولة. التي تعتمد علي خطف عدد من الطائرات بعد السيطرة علي برج المراقبة في المطار وقيادة الكولنيل ستيورات التي فرض ارادته علي الإرهابيين بالرغم من شراستهم. ونتذكر أيضا فيلم "Face off" بطولة نيكولاس كيج الذي قام بخطف عميل مهم للمباحث الفيدرالية "جون ترافولتا". افلام "الاختطاف" عادة ما يختار لها أقوي النجوم حضورا واكثرهم شعبية ذلك لأنهم يمتلكون الوسامة والتكوين الجسماني اللائق. وقوة الحضور والايحاء. ويحظون بسطوة ونفوذ شعبي بالغين. * * نحن نعيش هذه الأيام اجواء "الاختطاف" بامتياز ولكن من النوع المتدني. والخسيس ذلك لأنه لا يوجه إلي العدو وانما إلي أبناء الوطن الواحد ونعيش حبكات علي الارض نراقبها ونشهد بأنها خائبة للغاية ولم تراع ذكاء المشاهدين ولم تحقق أيا من اشكال الاثارة اللهم إلا ما يثير البغضاء والكراهية. ومن اسوأ تداعيات مثل هذه المغامرات الاجرامية الواقعية إنها تثير اجواء من الكراهية وحروبا ظاهرة وخفية وقودها البغضاء والاحتقار.