هذه ليلتي الأولي بعيداً عن غرفتي: مملكتي وصندوق أسراري وخزائني "الملكية" في حيث منذ كم؟ وأنا لا أشعر بالراحة إلا عندما احتضن "لحافي" أحكي له. أبلله بدموعي. أبوح له بما شعرت به عندما ابتسم لي هشام- هذا اسمه ولا أعرف إلا أشياء بسيطة جدا أهمها أنه يبتسم بلطف وأراد أن يسمعني آخر قصة كتبها. لكني اعتذرت- ولا أعرف لماذا أصررت علي أن أبعد عنه... آه ... هذا أنا الآن بعيدة بمئات الكيلو مترات عن بيتي وغرفتي ومام. آه . أحاول ألا أفكر فيها فقطعا ستنهمر دموعي وأنتحب بصوت عال. وأنا حريصة علي ألا أفعل هذا. أساسا لأننا ثلاث في غرفة واحدة ولا أريد أن أزعجهن لقد نامت زميلتاي بعد دقائق فلماذا لا أستطيع أن أكون مثلهما؟ سأسكت.. سأسكت فلو استرسلت لن أقف عند حد. وهل هذا وقت أن أستعرض شريط عمري كله؟ لا طبعاً. فقط أشعر بالشجن لأنني ظننت وأنا أبدأ رحلة السفر بأنني سأكون سعيدة بالتغيير وأن القيود ستقل. وأنني سأنعم بالصحبة الجديدة واكتساب الخبرات و.... هل أي شئ يساوي البعد عن غرفتي وملابسي وأوراقي ولعبي منذ الطفولة وشرفتي الصغيرة التي أتفاعل من خلالها مع الشارع والزحام والأفراح والخناقات وكل شئ. أطلل الآن من نافذة الغرفة: النيل يبدو من بعيد داكناً وكأنه غارق في الظلمة. ثم الكورنيش شبه الخالي: آه. الناس هنا ينامون مبكراً عن الإسكندرية. ثم - ويا للمفاجأة - منظر يحرك دهشتي ويستثير مشاعري: حصان وحيد يسير في منتصف الطريق "ألا يخاف من السيارات؟" راودتني الرغبة في أن أجري إليه. أحاول أن آخذه ليسير علي الرصيف لكني لم أستطع. أصلا لأنهم أفهموني أن الباب يغلق في الثامنة مساء. ولكن لماذا هو وحيد هكذا؟ تابعت حركته وهو يمشي ببطء. يرفع رأسه ويديرها شمالا ويميناً كأنه يتشمم رائحة الجو. عرفه أبيض مختلف عن بقية جسده الداكن. تمنيت لو أنني كنت إلي جواره. لكن لماذا؟ لا أعرف. فقط لأنني بطبيعتي أحب منظر الخيول. يا لرشاقتها وانسيابيتها. أعجب بها منذ كم من الزمن؟ لا أعرف... فجأة استدار الحصان. وتحرك في اضطراب. وانطلق عكس الاتجاه. في دقائق معدودة كان قد غاب عن نظري. حاولت أن أرفع قامتي من الشباك لكي أتابعه لكنه غاب. لماذا جاء ولماذا ذهب؟ انهرت علي سريري. شعرت بالغربة تخنقني. زميلتاي مستغرقتان. وأنا وحيدة منهارة. أتمني لو أني أرجع مثل الحصان من حيث أتيت ولكني لا أستطيع. لا أستطيع. أغلق النافذة. آخذ رأسي بين يدي. وأحاول ألا أفكر وألا أري وألا أشعر.