يتميز الفن الإسلامي بأن معظم آثاره لا تقتصر علي قيمتها الجمالية التزيينية وإنما تتضمن أيضا قيمة استعمالية. فالفنان إذا أراد أن يرسم موضوعا قام بتنفيذه علي منتجات نفعية مثل بلاطات القيشاني أو الأواني الخزفية أو الأدوات المعدنية وغيرها من السلع التي تستخدم في الحياة اليومية. لهذا ارتبط الفن باتقان الصنعة. فكان الفنان يجيد حرفته أولا ثم يضع هذه المهارة في خدمة إبداعه ومؤلفاته التشكيلية.. "الفن في خدمة المجتمع" هذا هو الشعار الذي نستطيع أن نلمسه واضحا في جميع آثار الفن الاسلامي من التحف التي كانت تستخدم في الحياة اليومية. هذا الشمعدان يرجع إلي العصر الأيوبي في مصر "أي منتصف القرن السابع الهجري القرن الثالث عشر الميلادي" تم تشكيله منذ 650 سنة تقريبا. وقد دخل متحف الفن الاسلامي بالقاهرة منذ 65 عاما بشرائه ضمن مجموعة "هراري" وهو أحد هواة جمع التحف القديمة واقتنائها. كان هذا الشمعدان يستخدم في إضاءة قاعات استقبال الضيوف حيث تقام الحفلات بوضع شمعة غليظة ضخمة مضاءة علي قمته ويراعي وجود منطقة مختنقة في تصميم الشمعدان تسمح لقبضة يد الإنسان أن تنقله من مكان لآخر وتسمي "رقبة الشمعدان". سجل الفنانون الذين صنعوا هذه التحفة أسماءهم عليها أسفل الرقبة بخط نسخي نصه "عمل الحاج اسماعيل نقش محمد ابن فتوح الموصلي المطعم أجير الشجاع الموصلي النقاش". وهو من النحاس الأصفر المكفت "أي المطعم" بالفضة.. وللأسف ضاع اسم الحاكم الذي صنع الشمعدان لحسابه فلم يبق من النص الذي يدل علي صاحبه إلا الدعوات له دون اسمه ونصها "العز والبقا والطفر بالأعدا ودوام العافية والرفعة والارتقا والد..." وبقية هذا الشريط من الكتابة النسخية غير مقروء. ارتفاع الشمعدان 34 سم والسطح الخارجي للجزء العلوي من الرقبة مزين برسوم لعازفين وراقصين وأشخاص جالسين وهو محدد بشريط رفيع من أعلي ومن أسفل والرقبة مزينة بأربع جامات مستديرة "أي وحدات مرسومة ومحاطة بإطار" تضم نافخا في مزمار وقارعا علي طار ومهرجا ملتحيا. ويتوسط القاعدة شريط عريض من الزخارف محدد من أعلي ومن أسفل بافريزين مصورا بهما مجلس طرب فيه عازفون جالسون وراقصون. التكوين الزخرفي الرئيسي بين شريطين محببين مثل تحبيب اللآلي. علي أرضية من الزخارف المتعرجة المؤلفة من عدة جامات. اثنتان منها مصور بهما فارس يصارع دبا.. وتتصل هذه الجامات ببعضها بشريط عليه زخارف فيها تقليد للقلم الكوفي ولكنها لا تزيد عن زخرفة غير مقروءة ذات جذوع مضفرة مجدولة ومتعاقبة مع كتابة نسخية تتضمن الدعوات لصاحب الشمعدان. ونحن نتوقف طويلا أمام الزخارف الشبيهة بحروف الكتابة الكوفية. فهو استخدام نادر في الفن الاسلامي للحروف العربية. هدفه تحقيق شكل جميل دون استخدام نفعي مباشر وهو أمر منتشر حاليا بين الرسامين العرب الذين يستخدمون الكتابات والحروف العربية في لوحاتهم التي لا تقدم جملا أو كلمات مفهومة. انما الابداع الشكلي هو هدفها الوحيد.