أمضيت ما يقرب من الشهر في قراءة كتاب المؤرخ الكبير محمد عبدالله عنان عن تاريخ الأندلس. الكتاب في ثمانية أجزاء. كل جزء اكثر من خمسمائه صفحة. ويتناول قصة الأندلس منذ الفتح إلي السقوط. مقولة التاريخ يعيد نفسه. قد لا تكون صحيحة احياناً. وقد تكون صحيحة في معظم الأحيان.و عندما قالت الملكة الأم لابنها الذي سلم وثيقة تنازله علي غرناطة: لا تبك كالنساء علي ملك لم تحافظ عليه كالرجال فإنها لخصت تاريخاً استغرق ما يزيد عن السبعمائة سنة من الخلافات والمؤامرات التي لا تستهدف الصالح العام بقدر ما تستهدف مصالح شخصية. أو قبلية. كان الجانبان الأندلسي والإسباني يعانيان في مراحل متتالية من خلافات الحكام. انعكست تلك الخلافات في حروب أهلية بين أبناء الوطن الواحد والديانة الواحدة.. بلغت المأساة حد إقدام عدد من الملوك والأمراء العرب علي قتل أبنائهم أو اخواتهم للشك في أنهم يعدون للوثوب علي الحكم. أوقات الخطر في حروب القشتاليين والأرجوانيين ضد ممالك الأندلس كانت تدفعهم إلي لملمة الصراعات الداخلية ومواجهة العرب كقوة واحدة. أما العرب فإن خلافاتهم لم تكن تعرف المهادنة. كل طرف يسعي إلي محو الآخرين. ولو بطلب العون من الأعداء. معظم من تولوا السلطة في ممالك وإمارات الأندلس. لم يترددوا للحفاظ علي مناصبهم في عقد اتفاقات مع القوي المعادية. وخوض العروض تحت أعلامها ضد الممالك الإسلامية الأخري. فرق تسد. تعبير استخدمته دول الغرب في علاقاتها بالدول الخاضعة لسطوتها. أو الحديثة الاستقلال. في أيام الأندلس كان هذا التعبير هو ما أملي علي الإسبان سياستهم. فقد حرصوا علي توسعة خلافات الأطراف المعادية. وإذكاء نيرانها واللجوء إلي كل الوسائل بصرف النظر عن مشروعيتها لاقتطاع أجزاء من الجسد الأندلسي حتي جاء الدور علي غرناطة. فلم تسلم في داخلها من الفتن والمؤامرات وإهمال الخطر الماثل علي الحدود. ولعله كان قد تسلل إلي الداخل. وبلغت تنازلات الأطراف العربية حد الخيانة. يروي محمد عبدالله عنان أن زواج فرناندو وإيزابيلا وهما الملكان اللذان تسلما وثيقة إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس قد تحقق لأهداف سياسية. فكل منهما ينتمي إلي معسكر مضاد للمعسكر الآخر. ووافقت إيزابيلا علي طلب الفونسو زواجها بشرط وحيد. هو أن يشاركها السعي لإسقاط الحكم الإسلامي في الأندلس. إذا أمعنت النظر في منطقتنا العربية. منذ قدم الأفاق لورنس بادعاء الصداقة للعرب. وتمهيده لاتفاقية سايكس بيكو الشهيرة. ثم الدور البريطاني في الاقطار العربية الخاضعة للنفوذ البريطاني. والدور المماثل للنفوذ الفرنسي في أقطار عربية أخري. ثم قيام الولاياتالمتحدة باستنساخ ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية. بالإضافة إلي تحركات إقليمية مضت في الاتجاه نفسه.. اذا أمعنت النظر في ذلك كله. فستجد أن ما نعيشه كعرب في زماننا الحالي. يكاد يتطابق مع أحداث الأعوام الأندلسية بكل ما حملته من تخاذل واستكانة وخضوع للمؤامرات.