أعجبني تحليل "ناثان براون" الباحث الأمريكي بجامعة جورج واشنطنالأمريكية في اجابته عن سؤال عن الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر وكيف سيصوت المصريون ومن سيحصد الأصوات الأكثر الإسلاميون أم المعارضة؟. قال الباحث الأمريكي "انه من الصعب التنبؤ بما سيحدث نظراً لان الانتخابات التنافسية والحقيقية أمر جديد علي المصريين وكل جولة انتخابية شاهدناها كانت مختلفة عن الأخري ولكن لا أعتقد ان حصد الإسلاميين ستقل كثيراً فرغم انهم فقدوا بعضاً من شعبتهم إلا ان أحداً لم يستطع كسب هذه الشعبية بوجه عام اتوقع ان تقل نسبة التصويت بصورة تؤثر علي الإسلاميين وغير الإسلاميين علي حد سواء" وأشار الباحث الأمريكي إلي وجود احتمالين ان تتم إعادة توزيع الأصوات داخل معسكر الإسلاميين ويخشي حزب الحرية والعدالة ان يخسر جزءاً من أصواته للسلفيين والمستقلين. عن المعارضة المصرية قال الباحث الأمريكي في تصريحاته لليوم السابع عبر البريد الالكتروني "ان عدم وحدتهم لا يعد سوي جزء من مشكلتهم فهم لم يفعلوا الكثير ليبنوا قاعدة شعبية لهم والسبب في خسارتهم للانتخابات هو عدم وجود أصوات كثيرة تنتخبهم وحتي يتعلموا بناء قاعدة انتخابية هذا سيستمر في الحدوث". بأمانة لقد توقفت كثيراً أمام تحليل هذا الباحث الأمريكي الذي شعرت وكأنه يعيش بيننا ويعرف أدق الأسرار والتفاصيل بل ويضع يده علي الجراح والنقاط التي لا يريد أطراف المعادلة الاعتراف بوجودها أصلاً وهذا التحليل يصلح مقدمة جيدة للتقرير التالي حول شكل المستقبل السياسي ووضع جبهة الانقاذ والمعارضة المصرية في ظل قرارها بمقاطعة الانتخابات البرلمانية الذي وصفه البعض بأنه "انتحار سياسي" وبين تعلم الدرس وبناء قاعدة شعبية انتخابية وبين هذا وذاك موقف حزب الحرية والعدالة والإخوان عامة. هذا التحليل يتزامن مع إعلان اللجنة العليا للانتخابات اليوم مواعيد فتح باب الترشيح وشروط الترشيح والدعاية للانتخابات القادمة. في البداية اتفق مع الباحث الأمريكي في ان حصد الإسلاميين سوف تقل إلي حد ما ولكن اعجبني قوله "رغم انهم فقدوا بعضاً من شعبتهم إلا ان أحداً لم يستطع كسب هذه الشعبية" وهنا بيت القصيد نعم لا يستطيع أحد ان يكابر ويدعي ان الإخوان وحزب الحرية والعدالة فقدوا الكثير وليس البعض من شعبيتهم في تحليلي وتحليل الكثيرين ولكن المؤكد ان أحداً لم يستطع كسب هذه الشعبية علي أرض الواقع وهذه هي مشكلة المعارضة الحقيقية ومشكلة جبهة الانقاذ وأحزابها التي فضلت النضال عبر المؤتمرات والاجتماعات والفضائيات وتركت الشارع ولم تنجح في استقطاب الجماهير في حواري مصر وشوارعها وكفورها ونجوعها.. وبالتالي فهي تخشي بالفعل الدخول في مواجهة علي الأرض مع الإسلاميين الذين ينافسون انفسهم في الانتخابات القادمة حتي لو تراجعت جبهة الانقاذ وبعض الأحزاب عن قرار المقاطعة وبالتأكيد سيعاني حزب الحرية والعدالة كثيراً للحفاظ علي الأكثرية في مجلس النواب القادم حيث سيخسر جزءا من أصواته التي حصل عليها في الماضي وستذهب تلك الأصوات للسلفيين سواء في حزب النور أو الوطن أو الراية ولن يجد الحرية والعدالة إمكانية للتحالف في المعركة القادمة سوي مع الجماعات الإسلامية وحزبها البناء والتنمية. ووسط هذه المعارك الطاحنة سينجح عدد من المستقلين في الفوز بعدد من المقاعد اعتماداً علي شعبيتهم واستغلالاً لرغبة بعض المواطنين في التصويت العقابي ضد التيار الإسلامي نتيجة ما شهدناه في الأسابيع والشهور الماضية. المتابع الجيد للساحة السياسية يستطيع ان يستخلص بعض الأحداث المتوقع حدوثها في الأيام القادمة ويطرح بعض التساؤلات ويجيب عن الأخري وفقاً للقراءة التالية. اعلان طارق سباق عضو الهيئة العليا لحزب الوفد وسكرتير الحزب رفضه لقرار جبهة الانقاذ بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة وتهديده بالمشاركة فيها تحت أي ظرف من الظروف بفتح الباب أمام التكهنات التي تشير إلي تراجع حزب الوفد تحديداً في قرار المقاطعة أو علي الأقل عدد كبير من رموزه وفي مقدمتهم محمد عبدالعليم داود وكيل مجلس الشعب السابق وماجدة النويشي عضو مجلس الشعب عن الإسماعيلية وغيرهم من النواب الذي دعوا إلي اجتماع طارئ اليوم داخل حزب الوفد للتوصل إلي قرار نهائي بشأن مشاركتهم في الانتخابات وان كنت شخصياً اعتقد ان قرارهم بخوض الانتخابات لا شك فيه سواء كان الإعلان عن ذلك اليوم أو غداً وأقصد بالغد الأيام القادمة. وعلي حسب معلوماتي فإن المخاوف من حدوث الانقسامات لا تقتصر علي الأفراد فقط وهنا اختلفت مع تحليل الباحث الأمريكي الذي قال "ان عدم وحدتهم لا يعد سوي جزء من مشكلتهم" وبالتالي فأنا أري ان عدم وحدتهم جزء كبير من مشكلتهم وكما قلت فالمخاوف لا تقتصر علي انشقاق الأفراد بل يمتد الأمر إلي الأحزاب فهناك ملامح تشيرا إلي إمكانية تراجع الوفد عن المقاطعة لأن د. السيد البدوي رئيس الحزب من أنصار رفض المقاطعة وسبق له ان أكد ان حزب الوفد تعلم جيداً من دروس الماضي ان الغياب عن الملاعب السياسية لسنوات كاملة أضر به وبشعبيته واعتقد ان هذا مازال رأيه اليوم ويدعم ذلك تراجع الوفد في مرات عديدة عن قراره بالمقاطعة وهناك ايضاً حزب المؤتمر بزعامة عمرو موسي والذي يوجد به العديد من القيادات والكوادر التي عمل بعضها مع الحزب الوطني وترغب في خوض الانتخابات القادمة وتضغط بشدة باعتبار ان المنهاج والظروف مواتية وتراهن علي التصويت العقابي ضد الإخوان تماما مثلما لجأ البعض إلي التصويت العقابي ضد الحزب الوطني لصالح الإخوان ويأملون في ان يكرر التاريخ نفسه.. هناك حزب ثالث قد يكون المبادر بالمفاجأة وهو الحزب الذي يترأسه د. محمد أبوالغار وهو حزب المصري الديمقراطي والذي يتوقع البعض أن يبادر بإعلانه المشاركه. بعض قادة جبهة الإنقاذ حاولوا الموازنة حتي يمكن الخروج من المأزق إذا ما جد جديد فمثلاً عبدالغفار شكر مؤسس حزب التحالف الاشتراكي والقيادي بالجبهة أطلق العديد من التصريحات التي تشير إلي ان هناك إمكانية للتراجع في القرار حسب الظروف. أما محمود العلايلي المتحدث الرسمي باسم لجنة الانتخابات بالجبهة فقد أكد لي أن الجبهة لا تخشي خروج حزب أو اثنين أو عدد من الشخصيات عن قرار الإجماع لان هذا "ينقيها" علي حد قوله ويجعلها تعرف من معها ومن ضدها وتستطيع البناء علي ذلك في المستقبل. شكر والعلايلي اتفقا في نقطة واحدة هي ان هناك ضرورة لتكوين قاعدة شعبية والتحرك بين الجماهير في الفترة القادمة وربما تكون تلك هي النقطة الايجابية في ما وصلت إليه جبهة الانقاذ وأحزابها وربما تلك النقطة هي التي تجعل بعض قادة الإنقاذ يؤكدون علي ان قرار المقاطعة لن يكون انتخاراً سياسياً بل قد يكون البداية للبناء والانطلاق خاصة ان قيادات مثل عبدالغفار شكر يراهن علي ان الضغط في حالة استمراره سيؤدي إلي نتائج وظروف أفضل تدعم التطور الديمقراطي وقد تجبر أهل الحكم علي إعادة النظر في الموقف برمته ويقدم درساً من المغرب عندما أصر الملك عام 1994 علي رفضه الاستجابة لمطالب القوي السياسية وتعديل الدستور والقانون وإجراء الانتخابات البرلمانية يومها رفضت الأحزاب المدنية خوض الانتخابات ودخلتها أحزاب "الموالاة فقط" وبعد 6 شهور اضطر الملك لحل البرلمان وتعديل الدستور والقانون وإجراء انتخابات جديدة فاز بها الاشتراكيون. حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية دافع هو الآخر عن قرار المقاطعة مؤكداً أنه أحد أساليب الاحتجاج الديمقراطي متابعاً ان هناك استحالة في خوض الانتخابات في ظل غياب نزاهة القواعد متهما الإخوان المسلمين بأنهم يطبقون نظاماً مستبداً ولا توجد ضمانات لنزاهة الانتخابات تجعل الناخبين والمرشحين مطمئنين أن أصواتهم لن تذهب هباء. صباحي رفض ايضاً مقابلة وزير الخارجية جون كيري الذي يصل القاهرة اليوم معلناً انه اتخذ هذا القرار بالتشاور مع د. محمد البرادعي الذي رفض هو الآخر مقابلة وزير الخارجية الأمريكي وأكد صباحي انه لن يستجيب للضغوط الأمريكية للمشاركة في الانتخابات وقال "قرارنا من رأسنا فقط". الجراح العالمي د. محمد غنيم رائد زراعة الكلي بالشرق الأوسط طالب جبهة الإنقاذ بأن تبتعد عن الأضواء والإعلام وان ينزل رموزها وقادتها إلي الشارع وتختلط بالناس في المراكز والنجوع والقري بدلاً من الطواف في المحطات الفضائية وإعادة نفس الكلام والتنظير مطالباً الجبهة ايضا بطرح مشروع سياسي كبير له آليات محددة حتي يشعر الناس بان هناك طريقاً آخر. بقي ان نشير في هذا التحليل السريع إلي ان هناك بعض الأحزاب والكيانات التي ستحاول ان تبحث لها عن دور وسط الأحداث الجارية وفي مقدمتها أحزاب غد الثورة.. ومصر القوية.. ولكن المعركة في النهاية ستكون الإسلاميين ضد الإسلاميين تماما مثلما كانت في الماضي القريب في بعض الجولات الوطني ضد الوطني.