هل يمكن أن نصحو يوما علي مجتمع خال من العنف والجريمة.. وبمعني آخر: هل يمكن السيطرة علي الدوافع السلوكية العدوانية لدي البشر.. السؤال ربما اثاره ما توصل إليه الطبيب الألماني جيرهارد روث من كشف وتحديد للجزء المسئول عن الجانب المظلم في المجرمين والقتلة حيث كشف المسح بالأشعة الضوئية الذي أجري علي المخ عن وجود مجموعة من الأعصاب في الجزء الأمامي من المخ عند الأشخاص الذين لهم سجلات من العنف الإجرامي تلك المجموعة العصبية المسئولة عن الشر تكمن في الفص المركزي للدماغ وتظهر ككتلة داكنة علي أشعة إكس. هذا الاكتشاف العلمي طرح عدة أسئلة منها: هل يمكن التدخل الجراحي لاستئصال هذا الجزء المسئول عن الشر وبالتالي نخلص البشر من العنف والجرائم.. أم أن الأمر معقد وليس بالسهولة التي نتخيلها.. وهل يمكن الاستعاضة عن ذلك بإعطاء أدوية تعطل عمل هذا الجزء من المخ البشري عن القيام أو الدفع باتجاه الشر.. أم أن ذلك ضرب من الخيال..؟! "المساء" طرحت القضية علي أساتذة المخ والأعصاب في التحقيق التالي: ** يقول د. صالح محمد عطية "أستاذ المخ والأعصاب بطب المنصورة": توصل الباحث الألماني لحقيقة علمية تؤكد أن المخ البشري لا يزال مليئا بالأسرار ويكتنفه الغموض الذي يكشف عنه العلم يوما بعد الآخر وكما جاء بالبحث الألماني فإن ثمة جزءا بالمخ مسئول عن إفراز مواد وشحنات عصبية تدفع صاحبها للعنف وارتكاب الجرائم أو الميل نحوها وهذا الجزء هو ما نطلق عليه "المجموعة العصبية الدماغية" وتوجد في الفص المركزي للمخ علي شكل كتلة داكنة تظهر علي أشعة إكس "X Ray). أضاف د. عطية: تختلف المنطقة الدماغية التي تصدر إشارات وومضات للقيام بأعمال إجرامية عنيفة من شخص لآخر لكن التدخين وتعاطي المخدرات والعوامل الوراثية تؤثر في مضاعفة الرغبة في الانخراط في الجرائم والأعمال غير المشروعة كإثارة الشغب وسلوك العنف والعكس صحيح. فالأشخاص غير المدخنين وغير المتعاطين للمواد المخدرة وليس لديهم عوامل وراثية في سجلات العنف والجريمة يكونون أقل اقبالا علي ممارسة الإجرام. أكد د. عطية أن هناك أدوية وعقاقير طبية تقلل من النوبات والموجات العصبية التي تصدر من المخ البشري لتدفع الشخص للتشاجر أو إثارة الشغب والتدمير في بعض الأحيان لكن تأثير هذه الأدوية والعقاقير لن يكون عاملا رئيسيا ولا حاسما في تنقية المجتمع من العنف والشر وتقليل معدلات الجريمة فلن يحدث ذلك إلا باستقرار المواطنين نفسيا واجتماعيا وإنسانيا وأن يتحقق لديهم قدر من الرضا والقناعة بحياتهم فالمخ يستقبل شحنات عصبية تتحكم وتدير انفعالات الإنسان فإذا كان لا يعاني مشكلات اجتماعية وضغوطاً نفسية ولا يتعاطي مخدرات فسيكون أقل قابلية للعنف والشر ولن يقدم علي الإضرار بالآخرين. يشير د. مدحت شحاتة "أستاذ ورئيس قسم الطب السلوكي بجامعة عين شمس" إلي أن ما توصل إليه الألمان سبقهم إليه عدد من البحوث الطبية التي أكدت أن مخ الإنسان مليء بالأسرار وأكثر مناطقه غموضا هي المنطقة الدماغية التي أشار إليها البحث الألماني التي قد تجعل إنسانا ما وديعا وآخر شيطانا رجيما. أوضح د. شحاتة ان ارتفاع معدلات العنف المجتمعي مؤخرا تؤكد ان المواد التي تفرزها المنطقة الدماغية وراءها دوافع سلوكية واجتماعية وليست وراثية فحسب ويعود معظمها إلي زيادة الضغوط المعيشية والمشاكل الأسرية والعاطفية وعدم الرضا الاجتماعي عن الواقع المعاش وهو ما يدفع بكثير من الأشخاص للتمرد والانجذاب نحو إخراج شحنات وموجات عصبية صادرة عن الدماغ تدفع في اتجاه العنف. وفيما يتعلق بإمكانية التحكم والسيطرة علي الجزء المسئول عن توجيه الشخص نحو القيام بارتكاب جرائم أشار د. شحاتة إلي أن الطب مهما يحقق من إعجاز واكتشافات فلن يتمكن من القضاء أو التقليل من سلوكيات العنف داخل الإنسان وتعديلها من الشر إلي الخير وإنما تستوجب الأمر قبل اللجوء لتناول العقاقير الطبية أو التعرض لأشعة إكس أو غيرها أن تتوفر ببيئة اجتماعية مستقرة وخالية من الاضطرابات النفسية والاجتماعية فنحن الآن في هذه الأيام اختلفت ميول وطباع المواطنين نتيجة التعرض لمشاهد عنف وتعذيب وجرائم تعرضها الفضائيات مما يتسبب مع غيرها من العوامل في رفع معدلات الجريمة بضرورة بشعة في ظل غياب الأمن الذي نتج عنه انفلات نري مظاهرة في كل ساعة بالشارع مشاجرات عنيفة بين المواطنين لأسباب عادية. أضاف ان العامل النفسي يقف وراء كثير من مظاهر العنف والصدام وإذا تحكمنا في هذا الأمر فسوف ينعكس ايجابيا علي الحياة العامة فالمجتمع غير المستقر نفسيا وسلوكيا يكون تربة خصبة للعنف المجتمعي. أما المجتمع متكافئ الفرص الذي تتحقق فيه العدالة والاستقرار فيكون أقل ميلا للعنف والجريمة وأكثر استقرارا وهو ما يمثل دعائم الحياة السوية. يؤكد د. عمر الحسيني "أستاذ المخ والأعصاب بقصر العيني" ان وجود جزء في المخ يرسم ملامح حياة الإنسان سواء كان شريرا أو طيبا أمر كشفت عنه أبحاث عديدة آخرها ما كشف عنه الطبيب الألماني الذي توصل إلي منطقة أعلي الدماغ مسئولة عن إفراز الهرمونات وإصدار نبضات دماغية للجسم تدفع صاحبها للميل نحو الجريمة أو القيام بأعمال تخريبية عنيفة. أضاف د. الحسيني ان ثمة أبحاثا وتجارب أجريت علي عدد من المجرمين ومتهمين في جرائم ووجدت إفرازات للأجهزة العصبية والحركية في هذا المكان تدفع لارتكاب فعل إجرامي وهو ما يقل أو يزيد حسب درجة استقرار المجتمعات اجتماعيا وسلوكيا. فالعامل النفسي لا يبتعد عن مثل هذه السلوكيات. أوضح ان شركات الأدوية تطرح عددا من العقاقير الطبية تسعي لوقف الافرازات العصبية الصادرة من هذا الجزء من المخ المحرض علي العنف والجرائم ولا يعرف ما إذا كان التدخل الجراحي له ضرورة طبية لكونه أمرا شديد الصعوبة والتعقيد وقد يتسبب في أضرار جسيمة إذا فشلت العملية الجراحية.