اختفاء بعض الأدوية من السوق أمر ليس جديدا لكنه تضاعف بسبب ظروف الأزمة الاقتصادية والارتفاع الكبير في سعر الدولار الذي أثر سلباً علي جميع مناحي الحياة. وأسعار السلع والمنتجات خصوصا المستورد منها. "المساء" التقت بعض الصيادلة والمسئولين عن صناعة الدواء والباحثين عن الأدوية المختفية من السوق لمعرفة آرائهم في أزمة اختفاء نحو 100 صنف دواء. خصوصا أدوية الأمراض المزمنة كالسكر والقلب والسرطان والصدر والروماتيزم والأورام وحتي نزلات البرد وألبان الأطفال. الكل أجمع علي أن هناك نقصا في الأدوية بسبب ارتفاع سعر الدولار وأضاف البعض أسبابا أخري كثبات أسعار الدواء مع غلاء أسعار مكوناته والمواد الداخلة في تكوينه وهو ما يستدعي تحرير سعر الدواء حتي لا تتكبد شركات الأدوية مزيدا من الخسائر بشرط ألا يؤثر ذلك علي محدودي الدخل.. وتلك هي المعادلة الصعبة. * يقول د. أمير موريس "طبيب صيدلي": لم يعد نقص الأدوية بالصيدليات ظاهرة بل أزمة مزمنة. فهناك أكثر من 100 صنف ونوع دواء يشهد السوق حالة اختفاء غير مسبوق لها. بما يدعو للقلق والتوجس خوفا من تأثر صحة ملايين المرضي في ظل غياب دواء هو بالنسبة لهم كالماء والهواء. وحرمانهم منه كالحكم بإعدامهم تماماً. أضاف د. موريس: نقص بدائل الأدوية المختفية زاد الطين بلة فبعد أن كانت هناك أدوية بديلة بأسعار عالية تزيد علي ثمن الأدوية الأصلية الرخيصة صار هذا البديل مرتفع الثمن غير موجود هو الآخر وقائمة الأدوية التي تبخرت من السوق طويلة.. ومنها علي سبيل المثال: دينترا 5 ملليجرامات "للذبحة الصدرية". أوترفين "بخاخة للأنف". أنسولين "للسكر" وكلينكل لمرضي الربو. أسبوسيد "سيولة الدم" وباكسال 400 "أقراص لأورام القدم والركبة. وافرين "للأنف". وادنيوبلكس "فيتامين ب". وغيرها من أدوية القلب والسكر والضغط والحساسية والعيون وأمراض الصدر وأدوية أمراض الأطفال ونزلات البرد والنزلات المعوية والروماتيزم. أكد موريس ان النقص الحاد في حقن بروكاسين لمرضي القلب تشكل خطرا كبيرا علي مرضي عمليات القلب المفتوح وقد تأثرت سوق الدواء بالأزمة الاقتصادية التي نعيشها. فالدواء كصناعة يعاني من ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي تضاعفت بعد الارتفاع الجنوني لأسعار الدولار مقابل تراجع الجنيه المصري. فضلا علي ثبات سعر الدواء لعدة سنوات بثمن زهيد لا يتناسب مع حجم التكلفة وارتفاع أسعار جميع مكونات الدواء. وهناك أدوية لا تزال تباع بجنيهين أو ثلاثة وتحتاج لتعديل أسعارها حتي لا تخسر شركات الأدوية وتتوقف عن طرحها بالأسواق كما حدث في الآونة الأخيرة. يقول د. محمد فؤاد "صيدلي": نشعر بالضيق وقلة الحيلة عندما يدخل علينا أحد الأفراد يطلب شراء دواء معين ثم يكتشف عدم وجوده بالصيدلية. الأمر الذي تكرر كثيرا في الفترة الأخيرة حيث تمر السوق الدوائية بأزمة لا يحاول أحد احتواءها بسبب ارتفاع سعر الدولار العملة الرئيسية لشراء المواد الخام للأدوية إلي جانب تصدير الأدوية الناقصة في السوق المصرية للخارج واختفاء الأدوية البديلة التي تباع بأسعار مدعمة تنتجها شركات تابعة للدولة. أضاف د. فؤاد: غياب الدور الرقابي لوزارة الصحة وأجهزتها الرقابية أدي لانسحاب مئات الأصناف من الأدوية من الأسواق وعدم طرحها للصيدليات منذ شهور دون أسباب واضحة. كما غابت أيضاً البدائل المسكنة للمرضي رغم سعرها الباهظ مما أدي لمضاعفة الأزمة لدرجة تهدد بكارثة تؤثر علي حياة مرضي القلب والسكر والضغط والروماتيزم والسرطان وتصلب الشرايين والحساسية وأمراض الصدر والانفلونزا وغيرها من الأمراض المزمنة ناهيك عن غياب ألبان الأطفال المدعمة بمختلف أنواعها.. وهو أمر لم يحدث من قبل وإذا لم تبادر وزارة الصحة وغرفة صناعة الأدوية والجهات الرقابية بدورها في إعادة الأدوية الغائبة فسوف تكون العواقب الصحية وخيمة. يؤكد د. أحمد رامي "نقيب صيادلة القليوبية" ان الأزمة ليست وليدة اليوم لكنها موجودة منذ عدة أشهر وحاولنا كنقابة احتواء الموقف وطرق كل الأبواب سواء ولزارة الصحة أو غرفة صناعة الدواء والمسئولين عن تلك الصناعة لكن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد أقوي من جميع الجهود المبذولة لاحتوائها فارتفاع سعر الدولار الذي يجري به شراء المواد والتركيبات الدوائية المكونة للأدوية المصرية إلي جانب ثبات أسعار الأدوية منذ الثمانينيات أدي لما نحن فيه الآن. أضاف: ورغم ذلك فإننا نسعي مع قطاع الأدوية بوزارة الصحة وبالتعاون مع أكثر من 300 شركة أدوية خاصة وحكومية للتوافق علي إنتاج بدائل للأدوية الناقصة التي تتعدي المائة دواء ولضمان ألا تتكبد هذه الشركات خسائر فادحة ونتناقش حول تحرير سعر الدواء فليس معقولا أن يباع دواء بسعر جنيه ونصف الجنيه بينما تكلفته الفعلية 10 جنيهات لكن تحديد السعر الجديد لابد أن يراعي محدودي الدخل والشركات الدوائية معاًً. وهو ما يساعد علي عبور الأزمة وعودة الأدوية الناقصة للأسواق في أقرب وقت. أما الدكتور محسن عبدالعليم "رئيس قطاع الأدوية بوزارة الصحة والسكان فأكد أن الوزارة تتابع الأزمة عن كثب وقد وضعنا خطة سريعة لتوفير بدائل للأدوية غير المتوفرة ومواجهة العجز وتم عمل كشف بها ويجري العمل علي إيجادها في الفترة المقبلة وضخ أكثر من 12 دواءا بديلا علي الأقل. أضاف د. عبدالعليم: ندرس تحرير سعر الدواء وتعديل الأسعار بما يتوافق مع سعر السوق حتي لا تتأثر الشركات المنتجة للأدوية بأي خسائر فهناك أدوية لم يتغير سعرها منذ سنوات طويلة وسوف تتم مراعاة الظروف الحالية وبما يتفق مع صالح محدودي الدخل. يقول أحمد إبراهيم: منذ أسبوع وأنا أبحث جاهدا عن دواء لزوجتي يحمل اسم "باكسال 400" لأورام القدم والركبة حيث تعاني آلاما شديدة منذ فترة. وهذا الدواء هو الوحيد الذي يعالج مرضها المزمن ولا أعرف ماذا أفعل وأنا أراها أمام عيني تتألم من قسوة الألم. أضاف: وبعد عناء البحث وجدت الدواء بإحدي الصيدليات لكن الصيدلي صدمني حين قالي لي إنه لا يمكنني إلا شراء شريط واحد من العلبة نظرا للإقبال الكبير عليه والنقص الحاد لهذا الدواء بالأسواق. يقول محمد حسين: أبحث منذ ما يقرب من شهرين عن دواء لمرضيد القلب يسمي "داينترا" وكأنني أبحث عن إبرة في كوم من القش فقد قمت برحلة من المعاناة للعثور عليه دون جدوي ولم أترك صيدلية في القاهرة شرقا وغربا إلا وذهبت إليها.. وتساءل: هل وزارة الصحة وشركات الأدوية تقدم المرضي "الغلابة" من الفقراء ومحدودي الدخل للموت المجاني؟ أضاف: ليس هناك أي أدوية بديلة لهذا الدواد فقد اختفت البدائل رغم أسعارها الباهظة وصعوبة تدبير ثمن الدواء البديل الذي يفوق إمكانياتي والآن لم يعد موجودا ولا الدواء المعروف باسم "داينترا" فماذا أفعل؟