لقد انتابني الخوف والفزع عقب قراءة خبر عن معركة بالايدي و"قلل المياه" دارت رحاها في داخل مسجد باحدي قري محافظة كفرالشيخ. وأن المعركة نشبت بين عدد من المصلين وإمام المسجد بسبب اختلاف الاراء حول الدستور. الغريب أن هؤلاء. قد تناسوا مكانة المساجد وقدسيتها. وانها لنشر العلم وهداية البشر وليست ساحة لابداء الرأي ومكانا للخلافات السياسية أو الطائفية. تساءلت هل اختفت آثار هداية هذه الفريضة في نفوس هؤلاء. وأن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له؟ للأسف الشديد لقد انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة اثارة هذه الخلافات في داخل كثير من بيوت الله والاشد أسفا أن بعض الائمة والدعاة كان يطلق الدعوات من فوق منبر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: تأييدا لاحدي الطوائف او توجيها للمصلين من أجل الانحياز لفئة من الفئات المتنافسة في بعض الامور السياسية. وكلها أمور تؤدي للاحتقان وتحرك الضغائن في النفوس وتشعل نيران الفتنة في مكان للعبادة ودروس العلم. وكم سمعنا عن مشاحنات ومشاجرات بين المصلين والدعاة بسبب هذا الانحياز. وأن هذه المشاجرات تتزايد أثناء مواسم الانتخابات أو الاستفتاء. وقد تحولت المساجد الي ساحات للحروب الكلامية والاصوات العالية التي تتنافي مع مكانة بيوت الله وقدسيتها. حقيقة لقد غاب عن هؤلاء جميعاً قصة ذلك الرجل الذي جاء الي المسجد ينشد ضالة له فقدها وحين سمعه رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا رد الله عليه ضالته.. مما يشير إلي أن بيوت الله لها حرمة لا يجوز لأي مسلم أن يعتدي عليها أو يتجاوز هذه الحدود التي حددها الله ورسوله: "وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً" وأن أمور الدنيا يجب أن تناقش بعيداً عن المسجد اذا سادها التشاجر والاصوات العالية حرصاً علي دور العبادة وعدم تحولها من ساحة للعلم والهداية الي مكان للنزاع والخصام وتصارع الاراء. ولاشك أن دور العبادة يجب أن تكون بمنأي عن الاراء المتصارعة أو بث الدعوات الطائفية والمذهبية. وأن يحرص الجميع علي الالتزام وبضبط النفس حتي في حلقة الدروس العلمية والدينية وأن يكون الهدوء وحسن الخلق واختيار العبادات التي تتناسب مع قدسية المكان هي القاعدة الاساسية في الحوارات العلمية والدينية. وأن يكون الحرص شديداً علي أن تظل المساجد واحة للهدوء والروحانية التي تبعث في النفوس الطمأنينة والهدوء والرحمة وأن يكون المناخ والظروف مهيأة لكي يؤدي المصلون هذه الشعائر بسكينة وهدوء ووقار بحيث تضفي علي المساجد هيبة وإجلالاً. لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم حريصاً علي أن يؤدي المسجد دوره في نشر الفضيلة والاخلاق في نفوس المترددين علي بيوت الله وها هو حينما قدم الي المدينةالمنورة كان أول شيء فعله هو بناء المسجد. ولعل مسجد قباء هو أبلغ دليل لكي يكون منطلقا للالتقاء خمس مرات في اليوم. هذا اللقاء المتكرر يجدد في نفس كل مصل الطهارة وتزكية النفس ونشر السماحة والمودة بين المصلين ونبعاً للصفاء والصلاح. وقد كان لمسجد قباء دوره في ارساء هذه القيم التي استقرت في نفوس الرعية الأول من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم واستمرت هذه المكانة في نفوس المسلمين في كل العصور المتعاقبة. وقد حذر الله ان تكون المساجد مكانا لنشر الفرقة والعداء بين الناس لأنها مواقع لبث الهداية في النفوس وتأكيد التقوي في القلوب وفي سورة التوبة اشارة واضحة وتعليمات من رب العالمين لا يجب أن يتجاوزها أي مسلم أو يخرج عن الضوابط التي حددتها بقول الله تعالي: "والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن اردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" 107. 108 التوبة. وقد امتدح الله هؤلاء المتطهرين الذين يحرصون علي تحقيق هذه الضوابط: "أفمن أسس بنيانه علي تقوي من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين" فالصورة الاساسية للمسلمين في داخل المساجد أن تكون التقوي وفضائلها راسخة في النفوس. فلا صوت يعلو بسوء داخل المسجد. وإذا اقتضي الامر حين تحتدم المناقشات فلتكن المجادلات والاصوات الزاعقة خارج المسجد لكي تظل مكانة المسجد راسخة في النفوس وبعيداً عن المشاجرات. وأن تحولها إلي مواقع وساحات للمعارك يتنافي مع المباديء التي حددها رب العالمين وغرسها في القلوب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وقد كان هؤلاء الذين يترددون علي بيوت الله يتمتعون بمكانة عالية فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالصلاح" والصلاح هو أجل مكانة يرتقي اليها أي مسلم يؤدي الصلاة بأركانها وقواعدها. وهذه السمة تفرض علي المسلم المصلي مهابة ومكانة وتجعله محل تقدير لكل الناس. فالتقوي قد استقرت في قلبه وتبث اليقين في وجدانه. الهدوء ديدنه في داخل المسجد وخارجه. وإليه يلجأ الناس لكي يشاركهم في ايجاد حلول لمشاكلهم والعقبات التي تصادفهم في حياتهم. صدره دائما يتسع لكل سائل أو صاحب حاجة. الرحمة تتجلي في وجهه وكل تصرفاته. فلا ألفاظ نابية. أو عبارات خادشة للحياء أو المشاعر التقدير والاحترام للجميع بلا استثناء. وقد أكد القرآن الكريم الصفات الطيبة لهؤلاء الذين يؤدون الصلاة بخشوع وهدوء يتناسب مع مكانتها وقدسيتها يقول ربنا في سورة الفتح "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود.." اثار هذه الفريضة ترتسم اثارها علي وجوه هؤلاء الذين يؤدون الصلاة ويتنافي مع هذه الاثار التشاجر او اثارة الخلافات. هذه المساجد أماكن للرجال الذين يقدرون المسئولية حق قدرها لا تشغلهم زخارف الدنيا ومطامعها "في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار" سورة النور. ياسادة - لابد من الالتزام بتلك القواعد وأن تظل بيوت الله بعيداً عن تلك الدعوات الطائفية وليحذر الذين يتشاجرون في المساجد أن عقاب الله شديد. فالمساجد لله. وأن من يخرج علي هذه الضوابط فعقاب الله في انتظاره جدير بنا جميعآً أن يكون الحفاظ علي قدسية المساجد والحرص علي ان تكون مكانا للهداية ونور العلم هي الراسخة في القلوب. والله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.