ان بيوت الله في الأرض المساجد وعمارها هم أهل الإيمان والتقوي والورع والخشية لله. يقدرون هذه البيوت حق قدرها ويحفظون لها مكانتها وقدسيتها خاصة انها الأماكن التي يلتقي فيها العبد بربه خمس مرات في اليوم والليلة وقد جاءت آيات القرآن الكريم صريحة في توضيح هذه الحقائق ليدرك كل مسلم ان هذه البيوت في الأرض لها حرمتها وادابها التي يجب أن يلتزم كل من يؤمن بالله واليوم الآخر يقول الحق تبارك وتعالي في سورة التوبة "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك ان يكونوا من المهتدين" 18 التوبة. صفحات هؤلاء المؤمنين تتضمن أعلي درجات الطهارة والحضارة الإنسانية المتعارف عليها بين بني البشر سمو في الأخلاق وترفع عن الدنايا والصغائر مهما يكن ضآلة حجمها "وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما" 63 و64 الفرقان ويقول سبحانه "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم" 2-4 الانفال. تلك هي صفات الذين يؤمنون بالله وكتبه ورسله ويتمتعون بهذه الصفات. فهم أشد الناس حرصا علي الالتزام بما تفرضه هذه الآيات التي اشتملت علي آداب وتقدير لهذه الأماكن ومن يترددون عليها ولذلك أناط الله بهم هذه المهام وان حرمة هذه البيوت أمانة في أعناق المؤمنين وهم أول الناس في الالتزام بها خشوع في الدخول إليها وتضرع إلي الله بأن يتقبل منهم الصلاة والعمل الطيب الذي تحثهم عليه الصلاة والمؤمنون يحرصون علي أن تظل بيوت الله بعيدا عن أي خلافات أو مشاحنات أو أعمال تسيء لهذه البيوت بأي صورة من الصور. ولعل أشد ما يلتفت إليه المؤمنون بالله ان من يتردد علي هذه المساجد إنما هو من عباد الله الصالحين يقول سيد الخلق "إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فأشهدوا له بالصلاح" وهذا الصلاح مقرون بالأخلاق الكريمة التي تصون للناس كرامتهم وتحفظ للمسلم في داخل بيت الله حقوقه ولا تروعه بأي شكل من الاشكال فمن آداب الصلاة الالتزام بضوابط صلاة الجماعة وتلك الضوابط صارمة في نصوصها فلا خروج عن النص ولا انحراف. تراحم وصوت منخفض وتلامس في رحمة بصورة تبعث دفء الإيمان في القلوب وتنمي المودة بين كل مصل وآخر أعمال تسودها روح الألفة والإيمان والخشية من رب هذه البيوت لأنه هو الذي أمر ببنائها وارتفاع مبانيها حسا ومعني "في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب" 36-38 النور. لكل ما تقدم فإن المسلم أي مسلم لابد أن يضع هذه التعليمات نصب عينية ويحرص علي الالتزام بدقائق آدابها ويتصرف بأرقي الأعراف والحضارة الإنسانية التي تظهر المسلم بأبهي صورة تحفز لأن يحمل المرء المسلم سلسلة متصلة من الالتزام بالمباديء والقيم الحضارية التي ترفع الإنسان إلي أعلي درجات مكارم الأخلاق والسمو في التعامل ويضع كذلك نصب عينيه ان بيوت الله يجب ان نبعدها عن الخلافات الطائفية والمذهبية والأعمال الدنيوية التي تشغل المصلين عن اداء فريضة أوجبها الله عليهم فها هو سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي رجلا ينشد ضالته من الإمام في المسجد فدعا عليه قائلا: لا رد الله عليه ضالته ولأن ترويع أي مسلم أو التشاجر معه أشد وقعاً في احداث الفرقة والفتنة بين المسلمين فقد فرض الله عمارة هذه المساجد بالذين يؤمنون بالله وهم أحرص الناس خشية للحق تبارك وتعالي وتقديرا لتعليماته لأن المسلم حقا هو الذي يحرص أشد الحرص علي تطبيق هذه الضوابط علي نفسه أولا وبذلك تبدو صورة المسلمين في أحسن مظهر وتؤكد للآخرين ان الالتزام بآداب الله يتمسك بها المسلم وهو أشد تمسكا بها في المسجد لكن ما يصيب المرء بغصة تنكد عليه حياته ما يراه هذه الايام من مشاحنات وتشابك بين المسلمين في داخل بيت من بيوت الله هذا يمنع مسلما من ارتقاء المنبر وذاك يتجاهل التشاجر ويلتقط الميكروفون ويصعد المنبر لإلقاء خطبة الجمعة في مشهد يؤكد انفلات القيم ويقدم للعالم صورة سيئة للإسلام وأهله انها بلا شك اهانة للنفس وللآخرين في ذات الوقت وتجعل الآخرين يشتدون في حملاتهم ضد الإسلام وأهله ويرددون ان هؤلاء المسلمين يروعون بعضهم البعض في داخل المساجد فما بالهم بالعمل خارجه انهم أهل عنف وانفلات فلا تحضر لديهم ولا التزام بالقيم بينهم اننا بلا شك نقدم تصرفات تجعلهم يكيلون أكثر الاتهامات للإسلام وأهله. السؤال الذي يفرض نفسه ازاء ما يجري من بعض الذين ينتمون إلي السلفية وغيرها يتضمن: هل هانت علينا أنفسنا وهل بلغت بنا المأساة ان نتجاهل تعليمات ربنا ونجري وراء طائفية ومذهبية بغيضة وهل بيوت الله مكان لتصفية حسابات أو انتقام أو نزعة مذهبية أو اعلانا للتشبث بالرأي وارغام الآخرين علي الالتزام به وهل ما جري في مسجد النور وغيره من الأماكن يتناسب مع هؤلاء الذين وصفهم الله بالإيمان والمشي فوق الأرض حصونا وتواضعا والالتزام بما قاله أهل السلف الصالح ان رأي الآخرين صواب يحتمل الخطأ ورأينا أيضا يحتمل الخطأ وعلي كل حال فلنبق بيوت الله عن هذا الشقاق وذلك الخلاف الذي لا يقدم ولا يؤخر بل يساهم في تدهور العالم الإسلامي ويحطم معنويات ابنائه. ان الأمر يتطلب ان يقوم حكماء هذه الطوائف بأخذ زمام مبادرة واتخاذ خطوات جادة لوقف هذه المهازل وتلك التصرفات لأن ضررها خطير ويؤدي إلي معارك لن يستفيد منها سوي المتربصين بالأمة الإسلامية. يا سادة كفانا تشرذما وضياعا. العالم يتقدم ونحن مازلنا نتمسك بالقشور ونتشبث بخلافات تدمرنا وتفتت وحدتنا وتشوه صورة الأمة التي وصفها الله في كتابه الكريم بأنها أمة وسط "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" فيا أمة سيد الخلق نأمل ان نعود إلي الصواب ونبعد عن الشقاق والخلاف وفي انتظار خطوات أهل الرأي والحكمة لحسم الأمر ورفض تلك التصرفات والله من وراء القصد والهادي إلي سواء السبيل. *** دعاء "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربناوتقبل دعاء. اتضرع إليك يا ربنا بكل خشوع وذل وانكسار ان تتفضل علينا برحمتك وتحسن خاتمتنا في الأمور كلها ونسألك ان تجعل خير أيامنا يوم لقائك ونعوذ بك من الشر والاشرار. نعوذ بك من شرما خلقت. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب" ربنا انصرنا علي انفسنا والشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله.