حاولت في زيارة قصيرة إلي منطقة الخليج أن أتعرف إلي بعض الهموم التي تشغل أبناء المنطقة. أشار صديقي إلي جزيرة في الأفق. وقال: إنها واحدة من الجزر الثلاث التي أفسد احتلالها علاقات أقطار الخليج العربي وإيران. احتلت القوات الإيرانية جزيرتي طنب الصغري والكبري في الثلاثين من نوفمبر 1971. أي في عهد الشاه. ثم احتلت جزيرة أبوموسي في أغسطس 1992. في عهد الجمهورية الإسلامية. أذكر حواراً جري بين أبوالحسن بني صدر أول رئيس جمهورية لإيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية. وبين الصحفي الراحل جلال كشك.. سأل كشك عن موقف الحكم الإيراني الجديد آنذاك من قضية الجزر العربية. هل ستظل في حوزة الدولة الإيرانية. أو تعيدها لدولة الإمارات؟!.. لم يتحدث الرئيس الإيراني عن ملكية بلاده للجزر الثلاث. أو العكس. لكن إجابته حملت المعني في قوله إنه يريد من محدثه جلال كشك أن يتصور حال الجزر الثلاث. إن أعادتها إيران إلي دول الخليج "الرجعية" علي حد تعبيره. أضاف أن احتفاظ إيران بالجزر يعني عدم وقوعها في إطار السيطرة الغربية. المنطق كما تري لا يقل سخفاً عن المنطق الاستعماري في محاولات الهيمنة. إنه يفرض استيلاء الأقوي علي ما يجد أن الأضعف قد لا يحسن التصرف فيه. ويفرض من ناحية ثانية وصاية لا تقل خطورة عما تحاول دول الغرب فرضه علي المنطقة العربية. يبين المنطق الإيراني عن تهافته وجنوحه إلي السيطرة والإملاء. في تعدد القمم الخليجية التي وضعت انسحاب إيران من الجزر الثلاث شرطاً لتماسك العلاقات الخليجية الإيرانية. فضلاً عن طرد المخاوف مما يشاع أن إيران تعده للمنطقة. حتي أن بعض حكومات الخليج تعتبر الخطر النووي الإيراني مماثلاً للخطر النووي الإسرائيلي علي المنطقة العربية. دأبت إيران في أعقاب صدور توصيات القمم العربية علي التحذير من أن الإشارة إلي الجزر الثلاث تسيء إلي العلاقات الإيرانية العربية. متناسية أن السكوت عن الحق المغتصب إساءة. يعمقها الإصرار علي احتلال الأرض. وتجاوز ذلك إلي طلب المناصرة في الوقفة ضد الأعداء القائمين والمحتملين. أضاف إلي غرابة الموقف الإيراني رفض إيران رفع مشكلة الجزر الثلاث إلي محكمة العدل الدولية. ربما لأنها تدرك جيداً من هو الطرف الذي ستقضي المحكمة بأحقيته في الجزر الثلاث. المواقف المتماثلة شعار يسهل إعلانه. لكنه لا يكتسب جدواه. ولا قيمته الحقيقية. إلا بالممارسة. وإذا كنا نعتز بمواقف إيران ضد الاحتلال الصهيوني. ومحاولات السيطرة الغربية. فإننا نتحفظ حتي الآن علي رفض إيران كل المساعي لإعادة الجزر العربية. بادرة مهمة لاستعادة ثقة الشعب العربي. نناقش بعدها كل الدعاوي والتدخلات والإملاءات التي تصر علي تجميد العلاقات العربية الإيرانية.