يضعك عرض "المطعم" الذي يقدمه مسرح الشباب علي قاعة يوسف إدريس. في قلب الحالة تماما لتصبح جزءا منه. وذلك من خلال تحويل القاعة الي مطعم وجلوس المشاهدين علي نفس المقاعد التي يجلس عليها بطل العرض ومعده ومخرجه أكرم مصطفي ومشاركتهم في الحدث. العرض أعده أكرم مصطفي عن نص "مطعم القردة الحية" للكاتب التركي جونكور ديلمان. وفي النص الأصلي لدينا الزوج الأمريكي وزوجته وقد بلغا درجة من الثراء. يذهبان الي أحد مطاعم هونج كونج ليستمتعا بوجبة مخ قرد حي. لكن القرد يهرب. والنص عموما يدين البشاعة الرأسمالية. وقد عمد أكرم مصطفي في إعداده الي نوع من التمصير ربما ليبرر اقدامه علي تقديم النص هنا والآن. وبدلا من أن يسعي الزوجان الي "مخ قرد" حي جعلهما يسعيان الي شراء تمثال فرعوني ليقوما بعد ذلك بتحطيمه ليشبعا شراهتهما وبشاعتهما. وعندما تفشل الصفقة ويقومان بشراء بني آدم مثقف محبط لا يجد عملا. يعرضان عليه الصفقة فيوافق حتي يرسل أموالا الي أمه وأسرته. وينتهي الأمر بقيام الزوجين اللذين يمثلان الرأسمالية في أبشع صورها بتحطيم رأسه.. فقط ليستمتعا بالمشهد!! ليست المسألة تحطيم رأس لمجرد المتعة فحسب. فما وراء الفعل أعمق بكثير وأوسع دلالة عما يراد بنا. خاصة مع انتشار هذا النموذج المحبط. السلبي. الذي لا يقوي علي الفعل. لم تتفلسف مهندسة الديكور ومصممة الملابس مها عبدالرحمن في صياغة القاعة حيث جعلت البار يتصدر القاعة ومقاعد المشاهدين والممثلين في باقي القاعة. وعلي الجدران لوحات فرعونية لتأكيد مصرية الحدث وفي المنتصف تمثال للإله أنوبيس. مع وضع اضاءات علي المناضد خافتة احيانا وقوية في أحيان أخري حسب احتياج المشهد. موسيقي العرض التي وضعها محمد الشاذلي جاءت مسجلة وتقاطع معها صوت الكمان الذي يعرف عليه لؤي الصيرفي ويعزف منفردا في بعض الأحيان وفي كل الأحوال كانت الموسيقي مشاركة في الحدث ومضفية عليه مزيدا من العمق ولم تكن مجرد خلفية أو حلية يمكن الاستغناء عنها. في البامفليت هناك شكر خاص لضياء ومحمد مصممي الرقصات. ويحيي شرباشي "شعر" وضياء سعفان "غناء". وفي الواقع لم أجد أثرا لرقصات. أما أغنية الفينال فلم أجد لها مبررا.. كانت زائدة لا لزوم لها وتذكرني بمسرح الثقافة الجماهيرية الذي لابد ان يبدأ بأغنية تمهدا للحدث وينتهي بأغنية تلخصه وتحرض العامة والدهماء علي الثورة.. وفي الغالب لا يفعل العامة والدهماء شيئا!! دعك من الرقص والغناء هذه أمور يمكن العبور عليها سريعا.. خليك في التمثيل وعندك مجدي عبيد في دور حسونة الذي يبدو انه صمم خصيصا له فأداؤه يقنعك أن لا أحد غيره بمكنه القيام بهذا الدور. فهم جيد لطبيعته الشخصية وخفة ظل بدون انفعال. ووعي تام بالفصل بين الشخصية والممثل. وبالمثل رشدي الشامي في دور جورج. كذلك جاء اختيار شمس الشرقاوي في دور الغانية يري في محلة تماما حيث أدته بوعي وتمكن شديدين ورغم صغر أدوار أحمد لطفي في دور نانو. وسندريلا في دور أماني فقد جاء الأداء طبيعيا وبانفعالات محسوبة. وأدت وسام صبح دور ديانا زوجة المليونير الأمريكي بشكل جيد. أما معد العرض ومخرجه وبطله أكرم مصطفي فرغم ما بذله من جهد طيب في الإعداد والإخراج فقد أفلت الزمام منه أحيانا وبالغ قليلا في انفعالاته ولا أدري لماذا. عموما يحسب لهذا العرض تماسه مع قضايا آنية وقدرته علي طرح رؤيته ببساطة وكذلك قدرته علي إحداث نوع من التماهي بين العرض وجمهوره وهو ما يجعلنا نشد علي أيدي صناعه وأغلبهم من الشباب ونقول لهم هل من مزيد؟!