لعل تعبير "يده في النار" يصدق علي الفنان والكاتب محمد نوار. فهو يعمل مشرفاً علي مركز رامتان الثقافي. ومن خلال فترة عمله الطويلة. واحتكاكه بجماعات المثقفين. بداية من وزير الثقافة. وحتي الأطفال الذين تستضيفهم ورش المركز. فقد تشكلت لديه آراء وقناعات. حاولنا في هذا الحوار أن نتعرف إليها. قلنا: من خلال تجربتك: ما رأيك في المشهد الثقافي المصري؟ قال: أولاً. ربما من المثير للدهشة أن يظل وزير الثقافة حوالي 22 سنة. ثم في أقل 16 شهراً يأتي خمسة وزراء المسألة لم تكن في يوم من الأيام وجود شخص مكان شخص آخر. لكن للأسف الشديد الاختبارات التي اعتمد عليها اختيار الوزراء. لا يوجد أدني معايير لها. مع كامل تقديري لمعظم هؤلاء الوزراء الذين جاءوا بعد الفنان فاروق حسني لا توجد تجربة حقيقية لأي منهم. ربما باستثناء الدكتور جابر عصفور. لكن الآخرين لم تكن لهم التجربة الحقيقية التي تؤيدهم لقيادة الثقافة المصرية. ربما ما حدث في 25 يناير جعل الاختيارات بدون معايير. وبدون ضوابط. وكالعادة وزارة الثقافة تراها الحكومات بلا قيمة. مجموعة من المثقفين الذين يزحمون القاعات كلاماً وضجيجاً. وليس لهم دور مؤثر في المجتمع. كما أن غياب معايير الاختيار سبب للتردي. فمثلاً اختيار الصديق محمد الصاوي من منطلق تجربته في الساقية. وهذا أمر غير سليم. وعندما أقيل فلأن البعض لا يريده للأسف الشديد.. كل هذه التغييرات جاءت بتأثير سلبي علي أداء وزارة الثقافة. قلنا: ما دور وزير الثقافة في مجتمع ما بعد 25 يناير؟ قال: وزير الثقافة المصري لابد أن يعي تماماً أنه يمثل بالفعل ثقافة غير تقليدية. ثقافة غير موجودة إلا في مصر فقط. مع كل تقديرنا للحضارات المختلفة علي مستوي العالم. فإن الحضارة المصرية تتميز بالتنوع الشديد. فهي تمتد من العصر الفرعوني. حتي العصر الإسلامي وما بعده. هناك خليط أو توليفة في المكون الثقافي. مهمة الثقافة خلق أجيال قادرة علي العطاء. وعلي التغيير في المجتمع أذكر في لقائي بالدكتور حسن فتحي رائد عمارة الفقراء في مصر رحمه الله أني سألته عن دور المثقف في المجتمع. قال: هو دليل المجتمع. أي الذي يقود المجتمع. لابد أن يدرك من يجلس علي مقعد وزير الثقافة أنه يمثل أعرق حضارة في التاريخ. وأن عليه دوراً مهماً في تخليص المجتمع من عديد الظواهر الغريبة التي طرأت عليه. قلنا: ماذا لو أنك تمتلك مسئولية وزير الثقافة؟ قال: ظني أني سأجتمع مع رؤساء القطاعات. وأعطيهم مهلة 30 يوماً. من لا يستطيع أن يحل مشكلات من لديه من العاملين. يغادر مكتبه. لا يعود إليه مرة أخري. كوزير عندما أستعين برئيس قطاع أو مسئول. فأنا أستعين به لكي يكون مساعداً. ومخففاً للعبء. ليس مطلوباً من الوزير أن يذهب إلي كل قطاع ليحل المشكلات بنفسه. فإذا ذهب فليسقط الرئيس الموجود. قلنا: هل لديك تصور محدد؟ قال: لو أنني مسئول فسأضع ميزانية للثقافة مماثلة للتربية والتعليم والتموين. لا يوجد بلد يتقدم وثقافته متأخرة. لابد أن نعي جيداً أهمية وزارة الثقافة. وأنها لا تقل عن أهمية رغيف العيش في المجتمع. لا تقل أهميتها عن الفصل والمدرس في المجتمع. أنت لو أطعمت دون أن تثقف. تكون قد صنعت كيانات غير آدمية. قلنا: فما دور الطبقة الوسطي في الفعل الثقافي؟ قال: الثقافة المصرية تعاني منذ سنوات طويلة من النخبة. النخبة للأسف الشديد تتحدث مع نفسها في جميع المجالات. تنظر إلي المجتمع بحالة من الترفع وليس بحالة من الاندماج والانصهار. أريد أن أسأل: من هو المثقف الذي يستطيع أن يكون مؤثراً من خلال الإبداع في المجتمع المصري؟ أستطيع القول إنه لا يوجد اليوم مثقف مصري يستطيع أن يؤثر بإبداعه في المجتمع أو يقوده. كلنا في الماضي نتحدث عن قصة قصيرة جديدة ليوسف إدريس. أو مسرحية جديدة لسعد الدين وهبة. أو رواية مميزة يطالعنا بها نجيب محفوظ كانت هناك حالة من الزخم الثقافي. لكن كل ذلك تراجع في منتصف السبعينيات وبداية الانفتاح. والاتجاه إلي الغرب. وكامب ديفيد. وما خلفته من آثار. قلنا: تعني أن المشكلة في المثقف؟ قال: المثقف المصري مشكلته مع نفسه أولاً لابد أن يدرك تماماً أن له دوراً حقيقياً في قيادة المجتمع. وليس فقط أن يكتب ويضع ما كتب في الأدراج. أو يقرأه لإصدقائه. هذا يمكن أن ينطبق علي الكاتب أو الشاعر أو الفنان التشكيلي لابد أن يدرك أن له دوراً حقيقياً في المجتمع. ولابد أن يتواصل مع المجتمع. مع قضايا الناس ومشكلاتهم. ربما العنصر الوحيد من عناصر الثقافة المؤثر هو فن الكاريكاتير. قلنا: إذن علي من يقع اللوم؟ قال: اللوم علي الجميع. الدولة لابد أن تدرك تماماً أن الثقافة ليست مجرد كتاب يطبع. أو لابد أن الثقافة هي قيادة المجتمع. مثلما قال الدكتور حسن فتحي. فالثقافة هي الحياة: الأكل ثقافة. الأزياء ثقافة. الطموح ثقافة. إلخ.. أن تدرك الدولة أن الثقافة أمر مهم كأهمية رغيف العيش والزيت وأنبوبة البوتاجاز. إذا لم تضع الدولة الثقافة في مثل هذه المكانة فلا أمل. الأمر الثاني أن يدرك المثقف دوره الحقيقي. يعبر عن المجتمع. يؤثر فيه. قلنا: تتولي الإشراف علي مركز رامتان الثقافي منذ فترة طويلة.. ما أهم العقبات التي تواجهك؟ قال: بصراحة: الإعلام. إنه لا يجري إلا وراء الأعمال الاحتفالية. والأعمال الجادة لا مكان لها. قدمنا في مركز رامتان علي مدي 16 عاماً عدداً من الندوات والمعارض والورش. تفوق ما قدمه أي موقع في وزارة الثقافة. عندما نستضيف الفنانين نجد 20 قناة فضائية. أما إن استضفنا قادة ثقافيين مثل د. حسام عيسي ود. عاصم الدسوقي ود. طلعت مسلم. فإن الإعلام يختفي الإعلام للأسف عامل سلبي في المجتمع. والضيوف فيه معروفون. كل قناة لها مجموعة معينة لا أريد أن أقول شلة من الضيوف والأهل والأصدقاء. قلنا: هل تقتصر العقبات علي الإعلام؟ قال: الواقع أن المجتمع المصري في حاجة ماسة لأن يكون في كل حي مركز ثقافي جاد. حتي يرقي الوعي لدي الطفل. وحتي الآن نحن نندهش ممن يأتون وفي اعتقادهم أن المركز الثقافي باشتراك. أو بمقابل مادي. الأمر الثالث أن وزارة الثقافة تواجه منذ سنوات تقلصاً في ميزانيتها. وكانت ميزانيتنا منذ حوالي سبع سنوات ضعف ما هي عليه الآن. رغم أن نشاطنا تضاعف. قلنا: ما مدي تعاونكم مع المراكز الثقافية الأخري؟ قال: لا يوجد أي تعاون بين المراكز الثقافية في مصر. وللأسف الشديد ربما يغيب التعاون في القطاع الواحد. ورأيي أنه يجب أن تنشأ في وزارة الثقافة إدارة للإبداع. أي إدارة خلاقة. تستطيع أن تفيد من القدرات المتاحة قدر الإمكان. أياً كان هذا المتاح. قلنا: أخيراً: ماذا تتمني للمثقف المصري. ولرامتان؟ قال: أولاً. أتمني أن يتغير المثقف المصري من داخله. فيتحول خلافنا واتفاقنا لصالح مصر أما مركز رامتان الثقافي فعلي الرغم من شهادة الجميع له. وتميزه. فإن أمامنا الكثير الذي يحتاج إعادة نظر لإعادة دوره الحقيقي. بمعني إعادة تخليق دور حقيقي. أو شخصية جديدة منبثقة مما تم بالفعل. لكن هناك أشياء كثيرة حلمنا بها. ربما عندما وضعنا الرؤية الثقافية كلنا نحلم بما هو أكثر بكثير مما نقدمه الآن. هناك حلم تحويل أعمال طه حسين إلي إبداع تشكيلي. وأعمال موسيقية. وإعادة كتابة تاريخ عميد الأدب العربي من خلال ورش للشباب. وأيضا تحويل نشرة رامتان إلي مجلة فصلية.