** قد يصبح الفن ترفاً أحياناً.. فعندما تشتد الأزمات وتتكاثر المحن والمشاكل لا يفكر أحد في الفن ولا يستطيع المبدعون أن يتخلوا عن مواقفهم كمواطنين مطحونين أيضاً ليقدموا فناً يخاطب العقول والضمائر والقلوب والوجدان وهم يدركون أن هناك مواجع وصلت إلي البطون والقوت اليومي للإنسان. * من الصعب أن تطلب الآن من مبدعينا أن يقدموا فناً نشاهده باستمتاع ونراه بعين الرضا ونقيمه ونحن جالسون علي مقاعد وثيرة ونتغزل في جمالياته أو عبقرية صنعه. * فمصر وشعبها مر بسنوات عجاف.. عقود من التراجع والضعف والهزال والسقوط علي المستوي السياسي والاجتماعي وكان طبيعياً أن يكون فنها علي مستوي قاعدتها في التراجع.. نشأت أجيال عاشت وكبرت علي هذا الوضع الهزيل المتردي وتكونت ثقافة الاستسهال واللامبالاة والفهلوة في الفن كما تكونت في شتي مجالات الحياة. * لم تمض شهود علي ثورة يناير وهي قليلة جداً في عمر الأمم والشعوب لا تكفي حتي للخروج من مستنقع حكم مبارك ولم يستطع صُنَّاع الفن أو حتي المتحمسون للتغيير أن يجدوا طرف الخيط الذي يمسكون به من أجل الخروج إلي بؤرة ضوء تغير ما استقر من وضع خائب كسيح. * بعد الثورة دخلنا في دوامات حكم جديد تتنازعه قوي سياسية مختلفة وصل فيه التيار الإسلامي إلي قمة السلطة ولكن مازال هناك حالة فوران وتفاعل لم تصل فيه إلي وضع الاستقرار وانتهاء التجربة وتأكيد النتائج وأي تعبيرات فنية عن الحالة ستكون ساخنة وفاترة وغير مستقرة ولا يمكن الحكم علي صحتها كما لا يمكن الحكم علي الوضع السياسي العام وعليه لنا أن نتأكد أننا لم نصل إلي لحظة التجلي الفني الحقيقي بعد انتهاء حكم مبارك. * العجيب في الشعب المصري الذي صبر عقودا علي عهد المخلوع وهضم علي مضض كل سوءاته وفساده أصبح بعد الثورة في حالة إثارة دائماً لا يهضم ما يفعله الإخوان المسلمين ولا يصبر عليهم كصبره علي مبارك.. أصبح شعباً مثاراً ثائراً يستفز ويتحرك.. جيل جديد رفض وثار وجرب ونجح.. جيل يحمل جينات جديدة غير جينات آبائه وأجداده.. جينات لا يتدخل الصبر والاستسلام في تكوينها.. هذا الجيل الشاب القوي العفي هو الذي يمثل الحصان الجامح الذي لن يوقفه أحد.. لن يطيق لجاماً ولا يردعه سرجاً ولن يستطيع أي قائد أو فارس أن يمتطي ظهره ويحدد مساره. * هو نفس الجيل الذي سيضرب عرض الحائط بالفن المتدني الضعيف ويجمع في الساحة الفنية ليقدم ألواناً أخري من الفنون والابداع تعبر عن المرحلة وعن المستقبل وعن مكانة مصر القادمة وهو الذي سيحدد إذا كان الفن ترفاً أم ضرورة حياة.