بين قبائل إفريقيا تنتشر أسطورة تحكيها الأمهات للأطفال، تروي الأسطورة قصة القرود الصغيرة التي أدمنت الشك في حكمة الكبار وكيف أن كل كبير في العمر لابد وأن يكون مستكينا غير قادر علي مواجهة شرور الحياة وغير قادر علي فهم الظروف، وغير متفهم لضرورة تغيير كل شيء في الغابة بداية من علاقات الحيوانات بعضها ببعض ومرورا بألوان الثمار التي علي الشجر، ونهاية إلي أهمية التواؤم بين الحيوانات فإذا هاجم أسد غزالة فعلي الغزالة أن تقتل الأسد علي الفور. وطبعا زمجرالكبار من القرود وحاولوا تعليم الأبناء أن مسألة قتل الغزالة للأسد علي سبيل المثال تقتضي شرح تفاصيل نقاط ضعف الأسد وأكبر نقطة ضعف في أي أسد هو رقبته، فإذا ما تدربت الغزالة علي غرس قرن من قرونها في رقبة الأسد فهو هالك لا محالة، وأن الحيوان الوحيد القادر علي مساعدة الغزالة في هذا الفعل هو القرد، حين يشاغل الأسد ويتنطط أمامه يمنة ويسرة، هنا تستطيع الغزالة أن تسدد الضربة القاتلة للأسد. طبعاً لم تسترح القرود الصغيرة، فقررت الاستغناء عن حكمة كبار القرود وصنعوا لأنفسهم قاربا من شجرة متهالكة ونزلوا بالقارب إلي النهر وسافروا إلي غابة أخري، ولكن الحيوانات المفترسة في الغابة الجديدة بدأوا باستعباد القرود الصغيرة وأوكلوا لهم أشق وأصعب الأعمال، ولكن القرود صبرت وثابرت إلي أن عادت لها حريتها في القفز بين الأشجار وتعليم القرود الصغيرة المولودة حديثا كيف يتعايشون مع بقية الحيوانات في الغابة.. وطبعاً تمردت القرود الصغيرة وقررت الهرب إلي غابة أخري. ولأن حكاية هرب كل جيل جديد من خبرة الأجيال السابقة، وعدم الإيمان بقيمة التجربة لذلك ظلت القرود قروداً.. أتذكر أني رويت تلك الأسطورة لفضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله فضحك وقال "من المهم أن يتحفظ كل جيل بفتوته، فيظل المجتمع قويا، فالكبير يقدم خبراته دون قهر للأجيال الشابة، والأجيال الشابة تستفيد من تجارب الشيوخ دون رضوخ بل بشجاعة وفهم فتتعمق تجربتهم وتزداد الشعوب حيوية بتفاعل الأجيال التي تعيش معاً. تري هل تتفاعل أجيالنا أم أن حكم مبارك أورثنا تجمدا للكبار فاحتقروا آراء الصغار، وجعل الصغار رافضين لتحكم الكبار، فصار الصغار يتصرفون باندفاعات الحماقة غير القادرة علي فهم ما أدركه الكبار من خبرة، وهذا دخلنا في دوامات من عدم الثقة بين الأجيال التي تعيش علي أرض وطن واحد؟