صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية نشرت تقريراً مطولا عن الأحوال الاقتصادية في مصر تحدثت فيها عن المؤشرات الاقتصادية التي تعتمد عليها الحكومة في تقديم صورة وردية عن تحسن الأوضاع والعبور من الأزمات ونمو الاقتصاد المصري. وقالت الصحيفة ان المواطنين لا يشعرون بفوائد وانعكاسات هذا التقدم الذي تتحدث عنه لغة الأرقام..! وأوضحت ان الناس تصرخ من الزيادات المرتفعة في الأسعار حيث يعد تضخم أسعار المواد الغذائية في مصر من أعلي المعدلات في العالم ويرتفع أيضا علي أساس سنوي مستمر. وفي الحقيقة فإن الصحيفة لخصت وأوجزت ما كنا نتحدث عنه في هذا المكان وغيره مراراً وتكراراً حين كنا نبدي استغرابا واندهاشا من الأرقام والبيانات والاحصائيات التي تتحدث عن نجاحات وإنجازات ومعدلات تنمية مرتفعة وكنا نتساءل: من أين يحصلون علي هذه الأرقام والمؤشرات في حين ان الواقع الذي نعيشه ونلمسه ويدركه الجميع يشير إلي عكس ذلك في الكثير من المجالات. فلا يوجد - علي سبيل المثال - صحيفة قومية أو حزبية أو خاصة لا تتناول بشكل مستمر وفي موضوعات متصلة قضايا البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار وهي قضايا مزمنة يعاني منها المجتمع ويهدد تفاقهما وصعوبة إيجاد حلول لها إلي تراكمات اجتماعية خطيرة وإلي انفلات في السلوكيات والتعاملات وإلي زيادة في الفجوة التي تتسع يوما بعد يوم بين الأغنياء والفقراء. بكل ما يمكن أن تمثله هذه الفجوة من تهديد للأمن القومي لهذا الوطن. ولأن الناس لا تري في الأفق ما يشير إلي أن فك الحزام عن البطون قد بات وشيكا فإن هناك شعوراً متناميا بأن حكومة رجال الأعمال لا توجه برامجها وأولوياتها لمساعدة محدودي الدخل بقدر ما تهتم بمصالح وأولويات القادرين والأغنياء. ويزيد من عمق التدهور في الحالة الاقتصادية الراهنة أن الكثير من الصناعات الوطنية تواجه خطر الإغلاق بسبب طوفان الإنتاج الصيني الذي أصبح منتشراً بأسعار تقل كثيرآً عن المنتج المحلي. وبأذواق وأشكال وتصاميم توافق احتياجات السوق وهو ما يعني زيادة في أعداد طوابير العاطلين وانكماشا في حجم التدفق المالي في دورة رأس المال. وتراجعا عن تنفيذ العديد من الاستثمارات الجديدة وتحول رجال الصناعة في بلادنا إلي مجالات أخري تجعل منهم مجرد وسطاء للاستيراد بدلا من أن يكونوا قاعدة للإنتاج والصناعة في بلادنا. وتقف مأساة صناعة الغزل في بلادنا خير شاهد علي تدهور صناعات كنا فيها رواداً وأصبحت فيها مصانعنا مهددة بالإغلاق والخروج نهائيا من دائرة الإنتاج والمنافسة. ويكفي أن نقول في هذا ان مصانع الملابس الجاهزة في مصر تعتمد في إنتاجها علي الغزل المستورد من الهند وترفض الغزل المصري لأنه لا يتلاءم ولا يناسب عمل ماكينات الغزل ويسبب لها أضراراً..! ولا يمكن في ظل هذا الارتباك والتخبط في أوضاع سوق الصناعة والإنتاج أن نتوقع استيعابا للأعداد المتزايدة من الخريجين الباحثين عن أي فرصة عمل وهو أمر يعني ان الضغوط سوف تزداد علي الحكومة لفتح آفاق جديدة في محافظات مصر من أجل إيجاد فرص عمل للشباب وإلا استيقظنا ذات يوم لنجد أن شبابنا كله يقف علي السواحل منتظرا أي سفينة تنقله وتهاجر به إلي أقرب بلد وليس مهما في ذلك إن غرق أو ذهب بلا عودة لأنه قد فقد الدافع والدوافع!! ان الطريق إلي الأمل لم يغلق بعد والفرص مازالت سانحة للكثير من النجاحات الحقيقية والإصلاح وما ينقصنا هو التخطيط الجيد.. وتحديد الأولويات وعودة الضمير الوطني الغائب. ** ملحوظة أخيرة : دخلنا موسوعة الأرقام القياسية العالمية في سرعة السيارات في الشوارع.. فيوم الأربعاء الماضي كانت سرعة السيارات في طريق صلاح سلام متر في الساعة بسبب انسداد في بعض قطاعات الصرف الصحي... والحمد لله ان الطريق خلا من أمناء للشرطة يحررون محاضر لقائدي السيارات الذين لا يرتدون حزام السلامة..!!