بذلت مصر - خلال السنوات الماضية - جهوداً هائلة لإعادة الوفاق بين فتح وحماس. أهم منظمتين في الأرض الفلسطينية المحتلة. لكن الخصام بين المنظمتين ظل - ومازال - قائماً. وبخاصة منذ بسطت فتح سيطرتها علي غزة. في حين اقتصر نفوذ فتح علي الضفة الغربية. ولجأت المنظمتان إلي لغة التخوين والمصادرة والاعتقال. لعله يجدر بنا أن نستعيد ثورة الجزائر. عند قيامها في خمسينيات القرن الماضي. كانت تواجه تحديين. أولهما إصرار المستوطنين الفرنسيين علي ان الجزائر فرنسية. وهو زعم الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ احتلال الجزائر في أواسط القرن التاسع عشر. وواجهت فكرة الاستقلال وحق تقرير المصير - حتي في العهد الديجولي - أقسي صور العنف. أما التحدي الثاني. فقد تمثل في تشرذم جماعات المناضلين لانتزاع حرية الجزائر وعروبتها. لم تطلق الثورة رصاصتها الأولي إلا بعد ان واجهت التحدي الأول. بتوحيد جماعات المقاومة في جبهة واحدة. هي جبهة التحرير الوطني الجزائرية. اسقطت الجماعات خلافاتها الأيدولوجية. وتوحدت في تنظيم موحد. جعل الحصول علي استقلال الجزائر هدفه الأهم. باعتبار ان خلافات العائلة الواحدة ينبغي ارجاء طرحها في ظل خطر إلغاء الوجود. استطاعت جبهة التحرير ان تقود شعب الجزائر في نضاله لانتزاع حريته وعروبته. حتي تحقق هدفها. ثم أبانت الجماعات عن تباين أيديولوجياتها في معاجلة القضايا الداخلية. تمنيت لو ان المفاوضات التي لا نشهد لها نهاية بين فصائل المقاومة الفلسطينية جعلت من التجربة الجزائرية مثلاً لها. الحكم في ظل الاحتلال بلا قيمة ما لم يكن هدفه النهائي تحرير الأرض. لا معني للاختلافات والمناقشات العقيمة والمزايدات ومحاولات التوريط والتنابز بين أبناء الوطن الواحد. ممثلين في توزع الجماعات والفصائل. المنطق الوطني. الموضوعي. يفرض الأهم. فالمهم. الأهم الآن ان تجاوز الفصائل الفلسطينية تحدي التشرذم لتواجه تحدي الاحتلال من خلال منظمة التحرير الفلسطينية التي ينبغي ان تصبح كل الفصائل كيانات عضوية فيها. لا أعني إهمال المصارحة والمكاشفة. فلابد ان يطرح كل طرف ملاحظاته علي الطاولة. عوامل الايجاب والسلب. فضلاً عن تجاوز من أفادتهم القضية دون مقابل من أي نوع. إلا إذا اعتبرنا محاولات الفرقة والانقسام هي ذلك المقابل المرفوض. الحقيقة التي يجب ان تطمئن إليها ضمائر الجميع ان الشعب الفلسطيني هو أشد الشعوب بذلاً في عالمنا المعاصر. بالشهادة. والتهجير والنفي والتدمير والظروف القاسية دوماً. تولي السلطة - في الأوضاع القاسية. الحالية. التي يعيشها الشعب الفلسطيني - يجب ان تكون مجرد طريق نحو الهدف. ان للسياسة الاسرائيلية استراتيجياتها وتكتيكاتها. وعلي الفصائل ألا تخدعها التكتيكات. من مثل الانتصار لفصيل علي آخر. لأن الاستراتيجية الصهيونية - في تصرفات قادتها وأقوالهم وشعاراتهم - لم تتبدل. ولن تتبدل. إلا إذا أدرك قادة إسرائيل أنهم يواجهون شعباً له قيادته الموحدة. لا العديد من الجماعات التي يسهل ضربها. وأساليب الصهيونية في ذلك - كما نعلم - لا نهاية لها.