لم يكن الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني لتحرير الجزائر في الثاني عشر من أغسطس سنة 1956 إلا الخطوة الأولي الفاعلة للحرية والاستقلال والتخلص من كابوس الاستعمار الفرنسي البغيض الذي طال مائة وثلاثين عاما. خلال سنوات قلائل بعد إعلان تشكيل المجلس وعلي الرغم من التحديات والصعوبات نجح الجزائريون في تحقيق المأمول وأفلحت دماء الشهداء فمن الوصول إلي شاطئ الكرامة والعزة في الفارق الجوهري بين الثورة الجزائرية والمسار السلبي المضاد للقضية الفلسطينية؟! لقد سلك الفلسطينيون كل الإجراءات المعهودة في حركات التحرر الوطني وجمعوا في نضالهم بين السياسي والعسكري والإعلامي وحظوا بدعم لا يستهان به فلماذا يتراجعون ولا يحققون نجاحا؟! الشراسة الفرنسية في قمع الثورة الجزائرية لا تقل عن نظيرتها الصهيونية والقهر الذي تعرض له الجزائريون لا يحتاج إلي دليل أو برهان لكن العمل الجزائري المنظم المخلص يمثل نقطة فاصلة والاتفاق علي الحد الأدني بين الفصائل المختلفة بمثابة فارق آخر لقد عاني الجزائرون بعد الاستقلال من الانقسام وأدت الاجتهادات المختلفة إلي تنافر وتباين وخصام وصراع لكن الجدير بالإعجاب أنهم حققوا الاستقلال أولا ثم دبت النزاعات! القضية الفلسطينية في خطر حقيقي والتأمل في مستقبلها جدير بإثارة المخاوف وتفجير الكوابيس، الجمود هو الغالب وكل يوم يمر يعني خصما من الرصيد ويسلب بقايا الأمل ويدعم التشرذم والانقسام والصراع الداخلي فمتي يعي أصحاب القضية خطورة السلوك العبثي الذي يمارسونه؟ ولماذا لا يتخذون من التجارب التحررية الناضجة الناجحة دليلا للعمل؟! كانت الجزائر في قلب كل عربي عندما بدأت نضالها النبيل المرير الذي كلل بالنجاح والانتصار ولا شك أن فلسطين تحظي بالاهتمام نفسه بل إن الدعم الذي تتلقاه يفوق كثيراً ما حصلت عليه الجزائر بالنظر إلي اختلاف الخريطة في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين عن خريطة اليوم أين تكمن المشكلة إذن؟! هل يطول الانتظار؟ وهل تتحول القضية الفلسطينية إلي تاريخ يدرسه الأكاديميون ويحكي عنه العجائز المعمرون وهم يتسامرون؟! المؤشرات كلها تقود إلي هذا الكابوس فمتي نستيقظ؟!