أعادت أحداث ومظاهرات "تيران" و"صنافير"، التي رفعت شعار "الأرض هي العرض"، الحديث مجددًا عن دور "دولة المواطنين الشرفاء"، في ملاحقة أي "حراك ثوري"، يعارض النظام الحاكم, ومن يقف وراءها وطبيعة تمويلها، وكيف يتم دفع عناصرها إلى مناطق التظاهر قبيل أي فعالية معارضة. فبينما لم تكن ثورة يناير تسعى لظهور نماذج جديدة من البلطجية أو الباعة الجائلين الذين انتشروا في الميادين والساحات الكبيرة آنذاك، كانت الثورة بيئة خصبة لدولة المواطنين الشرفاء. وظهرت تسمية "دولة المواطنين الشرفاء"، بالتزامن مع اشتعال الحراك الثوري في 25 يناير 2011، بظهور الباعة الجائلين في ميدان التحرير، وتضرر أصحاب المحال من المظاهرات، بجانب أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك. وفي مارس 2013، كان ل أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، تصريح ما يزال يثير الجدل، حول دور المخابرات العامة في تشكيل "جيش من البلطجية"، أو من يطلق عليه حاليًا "المواطنين الشرفاء". وأعلن ماضي، أن الرئيس محمد مرسي أبلغه أن المخابرات العامة أنشأت منذ عدة سنوات تنظيمًا مكونًا من 300 ألف عنصر ممن يعرفون بالبلطجية، بينهم 80 ألفًا في القاهرة وحدها، وأشار آنذاك إلى "أن التنظيم هذا ظهر في الاشتباكات التي دارت بمحيط قصر الاتحادية وبحوزته الأسلحة البيضاء والنارية". وكان الظهور الأبرز ل"المواطنين الشرفاء"، في ميدان العباسية بجانب تظاهرات مصطفى محمود وموقعة الجمل، إبان الأيام الأولى للثورة، وتحديدًا في 3 مايو 2012، حين خلف هؤلاء ما يقارب من 30 قتيلاً، واعتقال العشرات، من بين صفوف أنصار القيادي السلفي البارز والمرشح الرئاسي السابق حازم صلاح أبوإسماعيل، حين دعت حركة "حازمون"، أنصارها لاعتصام مفتوح أمام وزارة الدفاع بالعباسية، لتحديد مهلة زمنية محددة لتسليم السلطة عقب تباطؤ المجلس العسكري آنذاك في تسليمها، وإصداره مادة في "الإعلان الدستوري المكمل" تمنع الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. كان المواطنون الشرفاء، أحد أبرز الوسائل والقوة الضاربة في الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، حيث امتدت أياديهم وعبثت قبل أحداث 30 يونيو، بكل مقدرات الجماعة، من مقرات ومنشآت خاصة، حتى امتدت للمقر الرئيسي للإرشاد بالمقطم، والقصر الرئاسي في الاتحادية، وغيرها من المظاهرات التي خرجت ضد نظام مرسي المدعومة بهؤلاء "الدولجية". وبالتزامن مع اعتصامات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، خاصة في رابعة والنهضة، سمحت الدولة بتمدد دولة المواطنين الشرفاء بالنزول في الشوارع، لمنحها "تفويضًا وأمرًا بمحاربة العنف والإرهاب المحتملين"، وهي الدعوة التي خلقت حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي ما تزال البلاد تعاني منه. وفي كل المظاهرات المعارضة التي تلت ذلك التفويض، كانت مجموعات مسلحة تعتدي على المتظاهرين، ولم تسلم منهم حتى الوقفات الاحتجاجية التي كانت تنظمها فئات خاصة منها نقابة الصحفيين، على سبيل المثال، فقد باغتها "مواطنون شرفاء" حاملين مكبرات الصوت ومرددين هتافات تهدف للتشويش ولفت الأنظار. ووفق رصد ل"المصريون"، يتركز "المواطنون الشرفاء"، في منطقة وسط البلد، وبين السرايات بالجيزة، ونزلة السمان بحي الهرم، وذلك لقربهم من موقع الأحداث، بجانب مجموعات من البلطجية والمسجلين خطر، قيل إن الشرطة والجيش استخدموهم في الغرض المطلوب، بمنع تشكيل المظاهرات ووقف المد الثوري. ومن أبرز نجوم المواطنين الشرفاء، منى البحيري، صاحبة عبارة "شت أب يور ماوس أوباما"، ومدام إيمان صاحبة مقولة "خدت كام يا باسيييم" (تقصد باسم يوسف)، وعبد بسكلتة "صاحب الدراجة التي يتصيد ويجوب بها الشوارع التي تشهد مظاهرات مناهضة للسيسي". وامتدت تداعيات دولة المواطنين الشرفاء، لتطال نقابة الصحفيين، في مظاهرات 25 أبريل، حين قامت قوات الأمن بتسهيل عبور "بلطجية" حاولوا اقتحام مقر النقابة على مدار ذلك اليوم، في وقت صورهم فيه إعلام النظام بأنهم "مواطنون يحتفلون بذكرى تحرير سيناء". وبدورها قالت النقابة في بيان شديد اللهجة، إن "مقرها تعرض لمحاولات تحرش واقتحام على مدار اليوم من قبل مجموعات من البلطجية استعان بهم الأمن، كانت تحملهم سيارات، وتم دفعهم لاقتحام مبنى نقابة الصحفيين، موجهين عبارات سب وقذف للصحفيين يعف اللسان عن ذكرها". وذكر البيان، أن "الأمر في ذلك اليوم، لم ينتهِ إلى هذا الحد بل إن محيط النقابة شهد وجود متظاهرين جاءوا محمولين في سيارات، وسمح لهم بعبور الكردونات، فيما منع الأمن الصحفيين من الوصول لمبنى نقابتهم، واعتقال أي معارضين بوسط البلد". وشهدت القاهرة وعدة محافظات أخرى مظاهرات رافضة لاتفاقية "ترسيم الحدود"، التي وقعتها مصر مع الجانب السعودي، مؤخرًا، تزامنًا مع ذكرى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، التي توافق 25 أبريل من كل عام. وفي شهادته على دور "المواطنين الشرفاء"، في مظاهرات 25 أبريل، قال أبو السعود محمد، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن "قوات الأمن حاصرت النقابة بداية من شارع عبدالخالق ثروت وحتى نادي القضاة وكان حصارًا كاملاً"، موضحًا أن "الأمن منع الصحفيين من دخول النقابة رغم أنهم سمحوا لمواطنين بالدخول واقتحام النقابة تحت مسمى المواطنين الشرفاء". وتعجب محمد في مداخلة هاتفية على إحدى القنوات الفضائية الخاصة، من دخول هؤلاء "المواطنين الشرفاء" إلى المنطقة (محيط نقابة الصحفيين) في حماية الشرطة، موضحًا أن "3 أشخاص وقفوا على سلم نقابة الصحفيين ورقصوا رقصات استفزازية غريبة". وأضاف: "وزارة الداخلية عندما يطلب منها أحد عمل مظاهرة أمام أي مكان بالدولة تسمح لهم بشرط أن تكون المظاهرة أمام نقابة الصحفيين، وبالتالي أصبح سلم النقابة مستغلاً من الداخلية، والشرطة تريد السماح لأي شخص بالوصول إلى سلم نقابة الصحفيين ثم بعد ذلك يقولون في الإعلام إن النقابة تحرض على الدولة، فكيف نكون كذلك لو كانت هي التي تسمح لهم بذلك".