كلنا منزعجون من حالة السيولة الإعلامية والهجاءات الفضائية التى تُظهر المصريين كالديوك المتصارعة، والتى توحى بأنه لم يعد هناك مكان للرحمة بين الناس! لاشك أن هذه الحالة بالرغم من رفضها تفسد على الإنسان أمانه واستقراره النفسى وتورثه حالة من الطاقة السلبية التى تنعكس على من حوله.. وربما كانت هذه الحالة رسالة أصيلة عند من يوجهون هذه المعارك المصنوعة بحرفية على الشاشات لتصيبنا بالتوتر والنفور من بعضنا!
وبالرغم من الجانب الصغير المظلم من الصورة فإن هناك جوانب أرحب وأكبر مضيئة يقدمها المصريون بأعمالهم دون كلام، فمصر الحقيقية تعمل وتسعى للتراحم والتآخى دون كلام ودون كاميرات، وصفحتنا هذه شاهدة على العديد من النماذج المصرية المشرفة التى تجعل المرء يردد بينه وبين نفسه لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا؛ بالرغم مما يفعله الأشرار لتيئسينا من مصريتنا ووطنياتنا.
هؤلاء المصريون الراحمون الذين ترق قلوبهم ويعطفون على أهلهم من المحتاجين والمرضى والبائسين؛ أولئك الذين يضيعون فى الزحام أو يسقطون تحت وطاة المعارك لا يشعر بهم أحد!
لا.. بل يشعر بهم أولئك الفرسان النبلاء الذين تيقظت عيون قلوبهم ومدوا أيديهم بالمساعدة لإخوانهم، على غير صلة قرابة أو رحم، غير رحم الوطن وحسبه من رحم كبير لا ينقطع أبدا ومما نتقرب به إلى الله تعالى.
و أشهد الله أن هذه الصفحة التى أتشرف بالإشراف عليها "ديوان المظالم" بجريدة "المصريون" هى بمثابة طاقة الأمل لكثيرين وهى شاهدة على الصدقات الخفية التى يقدمها أصحابها، وكلهم خجل حين يضطرون للإعلان عن أنفسهم ويصرون على التخفي، ولولا المعاملات البكنية والحسابية لساعدتهم على ذلك ليفوزوا بلذة الصدقة الخفية.
من هؤلاء المصريين النبلاء فارس مصرى يعمل خارج البلاد أعان أخاه المصرى المعاق عم سعيد بثمن علبة دواء ثمنها 33 ألف ج ومازلنا ننتظر بقية كورس العلاج 6 علب عم سعيد الذى لم يتوقع أن يكون هناك من يشعر بضائقته، ثم رحت أعجب أشد العجب من المصرى المتصدق الذى كان فى غاية التواضع ونكران الذات.
أردت هنا أن أقدم نموذجا واحدا مما يفعله المصريون الحقيقيون مع بعضهم مع رحمة ورأفة، ولو استجبت لسرد بقية ما لدى من قصص مصرية غاية فى الرحمة والإنسانية لما وافاها هذا العدد كاملا من "المصريون".
أيها المصريون العاملون فى صمت.. أنتم أركان هذا البلد العظيم، بعظمة أبنائه، وأنتم كثيرون جدا، غير أن العادة جرت أننا ننزعج من العاصفة وننفر منها بالرغم من أنها تكون طارئة عابرة، فى حين لا نشعر بشكل مباشر برقة النمسة وحنوها.. ارتفعوا عن الخلافات.. وانفضوا الطاقاة السلبية التى قد تصيب بعضكم بفعل واقع مجتمعى سياسى واقتصادى مرتبك.. ليعود زمان الحب والعطاء والتسامح.