كلنا منزعجون من حالة السيولة الإعلامية والهجاءات الفضائية التي تُظهر المصريين كالديوك المتصارعة، والتي توحي بأنه لم يعد هناك مكان للرحمة بين الناس! لاشك أن هذه الحالة بالرغم من رفضها تفسد على الإنسان أمانه واستقراره النفسي، وربما كانت هذه الحالة رسالة أصيلة عند من يوجهون هذه المعارك المصنوعة بحرفية على الشاشات لتصيبنا بالتوتر والنفور من بعضنا! وبالرغم من الجانب الصغير المظلم من الصورة فإن هناك جوانب أرحب وأكبر مضيئة يقدمها المصريون بأعمالهم دون كلام، فمصر الحقيقية تعمل وتسعى للتراحم والتآخي دون كلام ودون كاميرات، وصفحتنا هذه شاهدة على العديد من النماذج المصرية المشرفة التي تجعل المرء يردد بينه وبين نفسه لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا؛ بالرغم مما يفعله الأشرار لتيئيسنا من مصريتنا ووطنياتنا. هؤلاء المصريون الراحمون الذين ترق قلوبهم ويعطفون على أهلهم وإخوانهم من المحتاجين والمرضى والبائسين؛ أولئك الذين يضيعون في الزحام أو يسقطون تحت وطأة المعارك لا يشعر بهم أحد! لا.. بل يشعر بهم أولئك الفرسان النبلاء الذين تيقظت عيون قلوبهم ومدوا أيديهم بالمساعدة لإخوانهم، على غير صلة قرابة أو رحم، غير رحم الوطن وحسبه من رحم كبير لا ينقطع أبدًا ومما نتقرب به إلى الله تعالى. و أشهد الله أن هذه الصفحة التي أتشرف بالإشراف عليها "ديوان المظالم" بجريدة " المصريون" هي بمثابة طاقة الأمل لكثيرين وهي شاهدة على الصدقات الخفية التي يقدمها أصحابها، وكلهم خجل حين يضطرون للإعلان عن أنفسهم ويصرون على التخفي، ولولا المعاملات البكنية والحسابية لمساعدتهم على ذلك ليفوزوا بلذة الصدقة الخفية. من هؤلاء المصريين النبلاء فارس مصري يعمل خارج البلاد أعان أخاه المصري ذي ال 65عامًا على زواج ابنتيه، حين تكفل بتجهيزهما تمامًا، وكنت أعجب من بكاء المصري والد الفتاتين لأنه لم يتوقع أن يكون هناك من يشعر بضائقته، ثم رحت أعجب أشد العجب من المصري المتصدق الذي كان في غاية التواضع ونكران الذات. أردت هنا أن أقدم نموذجًا واحدًا مما يفعله المصريون الحقيقيون مع بعضهم مع رحمة ورأفة، ولو استجبت لسرد بقية ما لدي من قصص مصرية غاية في الرحمة والإنسانية لما وافاها هذا العدد كاملًا من "المصريون". أيها المصريون العاملون في صمت.. أنتم أركان هذا البلد العظيم، بعظمة أبنائه، وأنتم كثيرون جدا، غير أن العادة جرت أننا ننزعج من العاصفة وننفر منها بالرغم من أنها تكون طارئة عابرة، في حين لا نشعر بشكل مباشر برقة النمسة وحنوها.. اللهم بارك في عبادك المصريين واحفظ بلدنا آمنا من كيد الكائدين.. آمين!