من التوجيهات الإلهية للذين آمنوا وأفاء الله عليهم بنعمه أن يبتعدوا عن السلوكيات التي تتنافي مع طبيعة العلاقات الاجتماعية. وفي مقدمة تلك السلوكيات والعادات المذمومة المنِّ والأذي الذي يصاحب الصدقات كأن يقول المتصدق: أنا الذي أعطيتك كذا وكذا مما يسبب حرجا وأذي لمن حصل علي الصدقة وخير لك أيها المتصدق أن تقول كلمة طيبة فقط فهذا أفضل من التبرع تحت وطأة المن وإثارة المشاعر. يقول الله: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم. ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون علي شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين" 262 264 البقرة. ان اتباع الصدقة بالمن والأذي عادة المنافقين والذين يقدمون المال حتي يتحدث الناس عنهم وقد شاهدت كثيرين ممن يلجأون إلي هذا الأسلوب مما حرك مشاعر الغضب في نفس ذلك الفقير المحتاج فانبري يدعو علي ذلك الرجل الذي سلك معه الأسلوب. وقد رأيت هذا الفقير ينصرف غاضبا تبدو عليه مشاعر الأسي مما حرك القلب وأثار الغيظ نحو ذلك المرائي. وإذا تركنا هذا الأسلوب النفاقي واتجهنا نحو أولئك المؤمنين الذين أعطاهم المال فجادوا به دون أي من أو أية كلمات تسئ إلي ذلك الفقير وإنما كان التعامل برحمة ومراعاة لمشاعر ذلك الإنسان مدركين أن المال مال الله وهم مستخلفون فيه فلا يحق لهم أن تصدر منهم أي إساءة ولذلك امتدح الله من فوق سبع سماوات هؤلاء وثوابهم من الله وليس من أي شخص آخر ولذلك ينفقون بسخاء ابتغاء مرضاة الله ولذلك أثني الرسول علي هؤلاء فقد قال صلي الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وهذا الصنف ينمي الله ماله ثم انهم لا خوف عليهم في الدنيا والآخرة وأن الحزن لا يلحقهم علي ما تركوه من أولاد. ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها لا يأسفون عليها لأنهم قد صاروا إلي ما هو خير من ذلك. انه أسلوب أهل الإيمان الذين لا تغربهم زخارف المال وشهوته في الزهو بهذه المظاهر الكاذبة. اليقين استقر في قلوبهم فكان العطف والصفح والتسامح ديدنهم. ومهما تعرضوا للإساءة فإنهم ماضون في أسلوبهم. فلا الخوف يتسرب إلي نفوسهم ولا يعتريهم الحزن لأن خشية الله بالغيب ملكت وجدانهم. ومزيداً من التوضيح ضرب الله المثل لكل الناس الذين يتصدقون نفاقا ورئاء الناس فيقول لهم: "أنتم مثل صخرة ملساء تراكمت عليها الأتربة من كل جانب ثم تعرضت لمطر شديد فأزال هذا التراب بسرعة شديدة وأصبحت الصخرة ملساء". فأنتم قد كان النفاق هو بمثابة المطر الذي نسف ثوابكم. فقد ضاع المال وحرموا من الثواب خسارة مضاعفة ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطي. والمسبل ازاره. والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" رواه أبو ذر. ومما رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة عاق. ولا منان . ولا مدمن خمر. ولا مكذب بقدر". وقد حذر رب العباد من ذلك الأسلوب: "ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي" احذروا أسلوب المنافقين وليدرك الجميع ان غضب الله يذهب النعمة عن ذلك المنافق. وصدق الشاعر العربي إذ يقول: إذا كنت في نعمة فارعها إن المعاصي تزيل النعم وداوم عليها.. بشكر الإله فإن الإله سريع النقم وأولو الألباب يحذرون النفاق في كل تصرفاتهم مدركين هذه الحقائق.. فهل نتحلي بهذا الأسلوب الطيب في حياتنا وعلي الله قصد السبيل.