يبدو أن المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، قد ورّط مصر في أزمة جديدة بشأن منطقة حلايب وشلاتين بعد الأزمة الأخيرة بشأن جزيرتي تيران وصنافير وحقيقة تبعيتهما لمصر أم للسعودية، وما عقبته من تظاهرات في الشارع المصري الجمعة الماضية. أبو زيد علّق في مداخلة في 12 أبريل الجاري على إحدى القنوات، وطالب بمراجعة الوضع فيما يتعلق بحلايب وشلاتين، مؤكدًا أن وضعهما لا يختلف عن الجزيرتين المذكورتين، قائلًا: "في وقت من الأوقات طلب وزير الداخلية المصري من السودان إدارة حلايب وشلاتين ثم استردتهما مصر بعد ذلك".
وبعد أزمة تيران وصنافير، فتحت السودان قضية ملكيتها لمثلث حلايب مرة أخرى، ودعت مصر إلى الجلوس للتفاوض المباشر، لحل القضية أسوة بما تم مع المملكة العربية السعودية، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي امتثالاً للقوانين والمواثيق الدولية باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات. وأكدت الخارجية السودانية، أنها ستواصل متابعتها للاتفاق الذي تم بين القاهرة والرياض، والاتفاقيات الأخرى الملحقة به مع الجهات المعنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات تصون الحقوق السودانية السيادية الراسخة في منطقتي حلايب وشلاتين. وردت القاهرة على البيان السوداني، فقد أكد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن حلايب وشلاتين أراضٍ مصرية وتخضع للسيادة المصرية، وليس لدى مصر تعليق إضافي. وقال أيمن شبانة، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، إن ادعاءات الخارجية السودانية مزايدات رخيصة، وتصفية حسابات بين المعارضة والنظام السوداني؛ حيث تُوجه المعارضة اتهامات للنظام بالتفريط في التراب السوداني، فتسعى الحكومة السودانية إلى تصدير أزمتها الداخلية إلى القاهرة وتخفيف الضغط عليها. وأكد شبانة أن جميع المواثيق تؤكد أحقية مصر في حلايب وشلاتين، وأن مصر لن تلجأ للتحكيم على جزء من الأراضي المصرية، مضيفًا أن السودان ذاتها مصرية، ومحمد علي لم يفتتح السودان، إنما الأقاليم الواقعة جنوب مصر، وكانت عبارة عن مماليك متصارعة. وقال: "لم تكن هناك دولة اسمها السودان، وتمت كتابتها في فرمانات الباب العالي، واتفاقية الحكم الثنائي المصري البريطاني عام 1899، بأن يطلق لفظ السودان على الأرض الواقعة جنوب خط عرض 22". وأضاف أنه كانت هناك قبائل تسمى «البشارية» تقيم في هذه المنطقة على الحدود وكان لها امتداد كبير في السودان، فتم إسناد إدارة المنطقة إلى الحاكم المصري في الخرطوم، وتم إجراء تعديل إداري بذلك ولم يعط للسودان السيادة أو إدارة المنطقة. وعن لجوء السودان إلى التحكيم الدولي، قال شبانة إن السودان لا يمكنها اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدولي بدون موافقة مصر، لكنه يمكنه التقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، والذي بدوره سيطلب حل الأزمة سلميًا، فإذا تعذر الأمر، ستتم إحالة القضية إلى الاستفتاء من محكمة العدل الدولية. ولفت إلى أن قرار محكمة العدل الدولية ليس له حجية قانونية؛ لأن مصر رافضة إحالة الموضوع، لكن لها دلالات سياسية، وفي حال أصدرت حكمًا لصالح السودان من الصعب تنفيذه؛ لأنه لا توجد قوة دولية تمكن السودان من الحصول على حلايب وشلاتين، بدليل حكمها لصالح إريتريا في الأراضي المتنازعة بينها وبين إثيوبيا، فحتى الآن لم يتم تنفيذ الحكم لصالح إريتريا. الأهمية الاستراتيجية للمنطقة تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر مساحتها 20,580 كم، وتوجد بها ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، المنطقة تتبع مصر سياسيًا وإداريًا بحكم الأمر الواقع وهي محل النزاع حدودي بين مصر والسودان، ويطلق عليها الجانب السوداني المنطقة الإدارية لحكومة دولة السودان. وترجع أهمية مدينة حلايب إلى أنها تعد البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر وتظل الوظيفة الرائدة لها تقديم الخدمات الجمركية للعابرين إلى الحدود السودانية، بالإضافة إلى الأنشطة التجارية المصاحبة لذلك، فضلاً عن أهميتها الاستراتيجية للجانبين تعتبرها مصر عمقًا استراتيجيًا لها كونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر وتنظر لها باعتبارها عاملاً مهمًا في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي. ويتميز مركز شلاتين بالثروة السمكية، وتضم في الجنوب الشرقي جبل علبة، وكذلك تتميز بخصوبة أراضيها التي تعتمد في ريها على كل من المياه الجوفية ومياه الأمطار. جذبت منطقة حلايب آلاف السودانيين؛ بسبب الخدمات التى توفرها الحكومة المصرية والتي تنعدم في السودان، حيث تقدم مصر لأهالي المنطقة مساكن مجهزة بجميع الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء بدون مقابل، فضلاً عن توفير خدمات الرعاية الصحية والتعليم المجاني، وتقديم معاش شهري لكل الأشخاص الذين تجاوزوا الستين، بجانب تقديم مبالغ مالية للعاطلين، ومصروف يومي لتلاميذ المدارس. مراحل النزاع ومواقف الرؤساء يرجع النزاع المصري السوداني حول مثلث حلايب لوجود ادعاءين متعارضين لموضوع خط الحدود؛ حيث تقع منطقة حلايب وشلاتين على الحدود الرسمية بين مصر والسودان، وتبلغ مساحتها20 ألف كيلو متر مربع على ساحل البحر الأحمر، وحلايب تقطنها قبائل تمتد بجذورها التاريخية بين الجانبين كما تتنقل هذه القبائل بسهولة عبر الحدود. وأشارت إلى أن القانون خالف اتفاقية 1899م بشأن الحدود المشتركة إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة وادي حلفا والمنطقة المحيطة بحلايب وشلاتين على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت حينها مصر بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض 22 درجة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها نزاع على الحدود بين البلدين. وأثير النزاع في يناير 1958 عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية اعترضت فيها على قانون الانتخابات الجديد الذي أصدره السودان، وفي 18 فبراير عام 1958 قام الرئيس المصري جمال عبدالناصر بإرسال قوات إلى المنطقة وقام بسحبها بعد فترة قصيرة إثر اعتراض الخرطوم. ظلت المنطقة تابعة للسودان المصري إداريًا منذ عام 1902، ولكن ظهر النزاع إلى السطح مرة أخرى في عام 1992 عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، فقامت الشركة بالانسحاب حتى يتم الفصل في مسألة السيادة على المنطقة. ورفض الرئيس المصري حسنى مبارك في 1995 مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا لحل النزاع الحدودي وبعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في قمة أديس أبابا، اتهمت الحكومة المصرية نظيرتها السودانية بالتخطيط لعملية الاغتيال، فأمر الرئيس حسني مبارك بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرض الحكومة المصرية إدارتها على المنطقة. في عام 2004 أعلنت الحكومة السودانية أنها لم تتخل عن إدارة المنطقة المتنازع عليها ولم تهجرها أو تسلمها للمصريين، وأكدت على تقديم مذكرة بسحب القوات المصرية إلى سكرتير الأممالمتحدة، وفي عام 2010 تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة لولاية البحر الأحمر، وأقرت المفوضية القومية للانتخابات السودانية حق التصويت في الانتخابات السودانية لأهالي حلايب باعتبارهم مواطنين سودانيين. وأقيمت الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011 في نوفمبر وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الأصوات هناك ردًا من الحكومة المصرية على ذلك.