تشير أصوات إطلاق النار والقذائف الصاروخية التي دوت في العاصمة الليبية طرابلس، إلى العقبة الأهم والأخطر أمام حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وهي الميليشيات المسلحة. وبينما تهم الحكومة للذهاب إلى طبرق للحصول على ثقة البرلمان، عليها أن تحضر إجابة على السؤال المنتظر: كيف ستمارس سلطة الدولة تحت سطوة سلاح الميليشيات؟ فعندما وصل السراج وفريقه الحكومي إلى قاعدة طرابلس البحرية في طرابلس في 30 مارس الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة، ولم يبرحوها، في حين كانت الاشتباكات في مناطق مختلفة من العاصمة، والتهديدات حاضرة من سلطات الأمر الواقع الرافضة لهذه الحكومة. وبينما كان الهدف من دخول الفريق الحكومي إلى طرابلس هو بعث رسالة مفادها أن الحكومة الناجمة عن اتفاق الصخيرات والمدعومة دوليا، عازمة على بسط سلطتها السياسية في البلاد، إلا أن ما رافق ذلك من أحداث كان كفيلا بإرسال رسالة أكثر وضوحا، وهي أنه لن تكون هناك سلطة حقيقية في العاصمة التي مازالت ترزح تحت سلاح الميليشيات الخارجة عن القانون. والسراج نفسه دخل تحت حماية من ميليشيات موالية، وهي أبلغ إشارة على هشاشة الوضع السياسي والأمني، وهو ما دفع عقيلة صالح رئيس البرلمان المنتخب والذي يتخذ من طبرق شرقي البلاد مقرا له، إلى التحذير من أن تواجد الحكومة في العاصمة دون سيطرة المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية عليها، لن يمنحها فرصة للعمل. وتسببت الميليشيات المسلحة في انهيار العملية السياسية في ليبيا عقب سقوط نظام معمر القذافي، وأدى تدخل هذه الميليشيات في الحياة السياسية إلى اقتتال داخلي أفضى إلى كيانين سياسيين في شرقي البلاد وغربها. وتسببت المادة الثامنة في اتفاق الصخيرات، التي تحيل تبعية المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى رئاسة الحكومة في أزمة سياسية بحد ذاتها وأصبحت عقبة أمام اجتماع البرلمان من أجل منح الثقة للحكومة. ودعا عقيلة إلى تعديل الدستور بما يضمن وضع استقلالي للمؤسسات الأمنية حتى لا تخضع لجهات سياسية، قبل التصويت على الحكومة، لكن الأطراف السياسية الأخرى في طرابلس والتي تملك ميليشيات مسلحة، وأبرزها "فجر ليبيا"، مازالت ترفض التعاطي مع هذه المطالب. وحذر عقيلة من أن اعتماد الحكومة الجديدة على بعض الميليشيات الموالية لها لن يجعلها في مأمن من الاضطرابات التي تفتعلها الميليشيات المناوئة. وأحد أهم أركان عملية استعادة الدولة الليبية، يكمن في بسط سيطرة الجيش الوطني على العاصمة والمدن الليبية وإلقاء سلاح الميليشيات المختلفة ودمج بعضها في الجيش وفق أسس مهنية. ومن جهة أخرى، ينتظر المجتمع الدولي تفعيل عمل حكومة الوفاق من أجل تقديم دعم فعال للجيش الوطني لمحاربة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش. والبرلمان في طبرق هو السلطة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، وهو ما يعطيه بجانب وضعه التشريعي الطبيعي، الشرعية المطلقة في الموافقة أو رفض الخطوات التي تتخذها حكومة قامت على موائمات سياسية وليس انتخابات. وترمي هذه الحقيقة بالكرة في ملعب حكومة السراج، وما إذا كانت تريد تثبيت سلطتها عبر البرلمان أو التقوقع سياسيا في طرابلس تحت سلاح الميليشيات.