في يوم 16 مارس من عام 2003 اختفت بقعة مضيئة ومشرفة في تاريخ الغرب والإنسانية المليئة بالوحشية والنفاق، فقد لقيت الشابة الأمريكية "راشيل كوري" مصرعها على أيدي النازيين الجدد دهسا بالجرافات الإسرائيلية العسكرية في مدينة رفح بغزة وتحت أعين العالم كله بما فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتبجح بتقديم نفسها كعراب للديمقراطية والمثل العليا. وقد أظهرت الصور التي تم التقاطها في ذلك اليوم وهي ترتدي الجاكيت البرتقالي الملفت للأنظار، وتحمل مكبر للصوت وتحاول ببسالة وشرف يفتقده معظم الساسة والممسكين بمقاليد الأمور في عالم اليوم، منع هدم وإزالة بيوت الفلسطينيين وتشريدهم تحت أي ذريعة كاذبة. تم قتل الشابة الشجاعة ذات الثلاثة والعشرين ربيعًا آنذاك، وكانت الحياة لا تزال مشرقة ومبتسمة أمامها. تم قتل الشابة الشجاعة التي نشأت في مجتمع يُعّلي قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان .. وظنت أن هذه القيم يمكن الدفاع عنها بنفس الحرية والبسالة في أي مكان على سطح البسيطة. وفي نهاية الأمر تم إجراء محاكمة هزلية جرت وقائعها في إسرائيل وحكم القاضي الإسرائيلي عوديد غيرشون بأنها قتلت نفسها! وبطبيعة الحال لم تجرؤ .. ولن تجرؤ الولاياتالمتحدةالأمريكية .. ولم تجرؤ .. ولن تجرؤ الدول الغربية التي تتبجح بحماية الديمقراطية الغربية بوصف قتل راشيل كوري بدم بارد بأنها عملية إرهابية .. وبطبيعة العالم لم تجرؤ .. ولن تجرؤ الأنظمة العربية الغبية المهترئة التي يلفها صمت القبور حول حقوق الفلسطينيين في الحياة وفي دولة مستقلة أن تندد مجرد التنديد بما فعلته إسرائيل لتلك الفتاة الشجاعة بكل القسوة والوحشية. ولم تجرؤ .. ولن تجرؤ الأنظمة العربية الغبية المهترئة ولو حتى من قبيل النفاق للولايات المتحدة التي يحلو لهم أن يلعقوا حذائها أن تتظاهر مجرد التظاهر أو التعاطف الكاذب مع الناشطة الشابة وتندد بما حدث .. ولكن يبدو أن خشيتها من إسرائيل أقوى من مشاعر النفاق .. وخشيتها من الساسة الأمريكيين المتواطئين ضد الفلسطينيين والصامتين على قتلها أقوى من كل ذلك. أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنوات طويلة جهارًا نهارًا وعلى رؤوس الأشهاد أن الهدف الذي تسعى إليه هو تحويل الجيوش العربية إلى مجرد فرق لمحاربة الإرهاب – الإرهاب الذي قامت هي بخلقه بالطبع عندما قتلت أكثر من 2 مليون عراقي سواء بقنابلها أو بالحصار الاقتصادي الذي ضربته عليها وبالفعل تم تحطيم أكبر دولة عربية - وبمشاركة من الدول العربية والأوربية ومنها مصر وسوريا - ثم تم تحطيم سوريا بعد ذلك من الداخل بسلسلة من المؤامرات السرية – وللأسف الشديد - بتمويل من دول الخليج كأنما كُتب على الدول العربية أن تقوم بالإجهاز على بعضها البعض لمصلحة الآخرين. الحرب على الإسلام والمسلمين يتدثر تحت غطاء كاذب باسم الحرب على الإرهاب، ويقوم المسلمون أنفسهم بقتال بعضهم البعض تحت هذه الدعاوى الوهمية. وضمن هذا المخطط الذي تسير وراءه الدول العربية مغمضة العينين تم إعلان "حزب الله" اللبناني – قوة المقاومة الوحيدة في العالم العربي ومعها "حماس" إرهابيتين وتغاضوا عن إرهاب الدولة الحقيقي الذي تمثله إسرائيل. وغدًا يستديرون على حماس تحت أي مزاعم كاذبة يتم خلقها في أي دولة عربية. وحزب الله وحماس هما قوتا المقاومة الوحيدة التي تدافع عن الأمن القومي العربي ضد طغيان وإرهاب إسرائيل وطموحاتها التوسعية "الصامتة" التي تقوم بالتخطيط لها ليل نهار في سرية. وإرهاب الدولة هو ما تقوم إسرائيل بممارسته عندما تقوم بهدم منازل الفلسطينيين واقتلاع مزارعهم. وإرهاب الدولة هو ما قامت به إسرائيل عندما قامت بقتل راشيل كوري دهسًا بالجرافات العسكرية وهي تدافع عن منازل الفلسطينيين التي يتم هدمها. ويمكننا أن نتخيل أن واقعة راشيل قد حدثت في دولة أخرى، عظمى أو صغرى – فما الذي كان يمكن أن يحدث؟ فإذا افترضنا أن الأمر قد حدث في دولة كبرى شرقية أو غربية – أو أي دولة عربية – وبالطبع من المستبعد أن يحدث هذا الأمر في دولة غربية: كان المتحدث باسم البيت الأبيض سيخرج منددًا بالحادث، وأن الأمر لن يمر بسلام، ويتم استدعاء سفير الدولة في الحال، وفرض عقوبات اقتصادية ومطالبات بتعويضات ضخمة تتناسب مع الجريمة. أما إذا حدث الأمر في دولة نامية، فلن يكون الرد بأقل من تحريك الأسطول السادس أو الأسطول التاسع أو الأول – لا أدري وظيفة أي منها سلامًا لروحها البريئة والطاهرة، وسلامًا لفتاة شجاعة وباسلة قدمت حياتها قربانًا للدفاع عن قيم إنسانية رفيعة تؤمن بها، وكانت تعتقد أن هذا العالم المليء بالوحشية والقسوة يمكن أن يدافع عن حقها في إبداء الرأي، وحقها في الدفاع عن الآخرين من المستضعفين من البشرية، وكانت تعتقد أن مجرد اقتناعها بهذه القيم ودفاعها عن هذه القيم سيكون سياجًا لها ولحياتها في هذا العالم المليء بالقاذورات. وليظل هذا اليوم .. وليظل هذا التاريخ .. يوم السادس عشر من مارس عام 2003 ذكرى خزي وعار للولايات المتحدةالأمريكية التي تركت مواطنة شريفة تحمل جواز السفر الأمريكي الذي تدعي حمايته في أي مكان في العالم، تموت تحت جنازير الجرافات العسكرية الإسرائيلية. ويبدو أنه من الأجدر أن تقوم باستثناء إسرائيل من هذا التعهد الذي تضعه على وثائق السفر الأمريكية.