قالت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية إن هناك تغيرا ملحوظا في نبرة بعض مقدمي "البرامج الحوارية" في مصر, الذين طالما دعموا السلطة الحالية في البلاد. وأضافت المجلة في تقرير لها في 4 مارس أن هؤلاء بدأوا ينتقدون السلطة في الأسابيع الأخيرة, خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية. وتابعت أن واقعة مقتل الطالب الإيطالي أظهرت بوضوح هذا التغير, حيث ألمح بعضهم إلى احتمال تورط أجهزة أمنية بمقتله. وأشارت إلى أن هؤلاء طالما هاجموا بشدة معارضي النظام, بل وقاموا بالترويج لنظرية "المؤامرة", التي تستهدف القضاء على أي صوت معارض. واستطردت " رغم أن نسبة مشاهدة بعض البرامج الحوارية عادة ما تكون قليلة, لكنها تؤثر على الرأي العام المصري، بالنظر إلى ارتفاع نسبة الأمية في البلاد", حسب تعبيرها. وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني, قال أيضا إن بعض وسائل الإعلام المصرية, التي دعمت ما سماها "الانتهاكات" في البلاد, تحولت بشكل مفاجيء في الأسابيع الأخيرة إلى انتقاد السلطة الحالية. وفسر الموقع في تقرير له في مطلع مارس, هذا التحول المفاجيء بثلاثة أسباب, أولها أن ما سماها "الانتهاكات, أصبحت شنيعة جدا, ولم يعد بالإمكان تجاهلها, خاصة في ظل تغطيات وسائل الإعلام العالمية لها, حسب زعمه. وتابع " من أبرز هذه الانتهاكات, مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني بعد تعرضه للتعذيب على يد أجهزة أمنية على الأرجح، والحكم على طفل بالسجن مدى الحياة، وتعرض أطباء لسوء المعاملة من قبل عدد من أفراد الشرطة". واستطرد " السبب الثاني, هو إحساس بعض الإعلاميين, الذين دعموا بقوة الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي, أن القمع بدأ يقترب منهم, بعد أن استهدف مؤخرا غير الإسلاميين, حيث تم سجن عدد من الكتاب والصحفيين", على حد قوله. وأشار الموقع إلى "أن السبب الثالث هو حقيقة أن معظم الإخوان في السجون, ولم يعد بإمكان بعض وسائل الإعلام إلقاء اللوم عليهم في كل أزمات البلاد", حسب تعبيره. وتابع "الإعلامي عمرو أديب حذر النظام من احتمال مواجهة مصير الرئيس المخلوع حسني مبارك, في حال لم تتوقف تجاوزات بعض أفراد الشرطة, كما انتقد الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى وضع الحريات في البلاد حاليا". وكانت صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية، قالت أيضا إن ما سمته "القمع" في مصر أصبح "مخيفا", وتجاوز كثيرا ما كان سائدا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك, حسب زعمها. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 24 فبراير أنه يتم التذرع بمكافحة "الإرهاب", لمحو كافة أشكال المعارضة, منتقدة الغرب لالتزامه الصمت إزاء ما سمتها "الانتهاكات الوحشية" في مصر. وتابعت " في ظل الإفلات من العقاب, زادت وحشية بعض رجال الشرطة, كما زاد الاختفاء القسري, وأصبح التعذيب أمرا شائعا", على حد قولها. واستطردت " تم أيضا سجن آلاف الإسلاميين, وعدد من النشطاء الذين شاركوا في ثورة 25 يناير 2011 , كما تم سجن حوالي 25 صحفيا في 2015 ". ونسبت الصحيفة إلى لجنة حماية الصحفيين الدولية, قولها أيضا :" إن مصر أصبحت ثاني أسوأ سجان للصحفيين على مستوى العالم بعد الصين". وأشارت الصحيفة إلى "أن النظام المصري بدأ يدرك خطورة استمرار وحشية بعض رجال الشرطة, ولذا تم الحديث عن إعداد قوانين جديدة لمحاسبة المتجاوزين", حسب تعبيرها. وتابعت أن أكثر ما يخيف النظام المصري حاليا هو احتمال تفجر الغضب الشعبي, خاصة بعد احتجاجات الأطباء وآلاف آخرين من المصريين على بعض التجاوزات الأمنية, كما حدث في واقعة مقتل "سائق الدرب الأحمر". وكانت "رويترز" نقلت عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قوله إن عددا من أفراد الشرطة "تصرفاتهم غير مسئولة"، مؤكدا ضرورة مواجهة تلك التصرفات بالقانون لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها وإجراء تعديلات تشريعية أو قوانين جديدة. وقال بيان أصدرته الرئاسة المصرية الجمعة الموافق 19 فبراير إن السيسي التقى وزير الداخلية مجدي عبد الغفار, وطلب منه محاسبة أي شرطي يعتدي على المواطنين وتقديم مقترحات للبرلمان لتحقيق هذا الهدف. وفي البيان، أكد السيسي أن التصرفات غير المسئولة لأفراد من الشرطة يجب ألا تنسحب على جهاز الشرطة بأكمله، وأضاف أنه يتعين مواجهات تلك التجاوزات بالقانون لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها. وأشار البيان إلى أن السلطات الممنوحة لبعض أعضاء الجهات الأمنية هدفها في المقام الأول تمكينهم من الحفاظ على أرواح وممتلكات ومصالح المواطنين. وجاء هذا البيان, بعدما شُيعت في القاهرة الجمعة الموافق 19 فبراير جنازة الشاب المصري سيد علي إسماعيل الشهير "بدربكة" الذي قتل برصاص أمين شرطة في منطقة الدرب الأحمر مساء الخميس الموافق 18 فبراير. وانطلقت مراسم التشييع عقب صلاة الجمعة من مسجد السيدة نفيسة في القاهرة، وسط حالة من الغضب، وردد المشيعون وهم في طريقهم إلى المقبرة هتافات تندد بتكرار تعدي أفراد من الشرطة على المواطنين، مطالبين بوضع حد لهذه الممارسات، حسب تعبيرهم. وقالت مصلحة الطب الشرعي إن المجني عليه تلقى طلقة نارية في الرأس أدت إلى كسر الجمجمة ونزيف بالمخ وتهشم الجزء الخلفي من رأسه بالكامل. وكان بيان لوزارة الداخلية المصرية قال إن خلافا نشب بين أمين الشرطة والقتيل بشأن قيمة تحميل بضاعة على سيارته، وإن أمين الشرطة أطلق الرصاص على المجني عليه، في حين تدخل سكان المنطقة وهاجموا الجاني وأصابوه. واقتحم عشرات المواطنين الغاضبين مستشفى أحمد ماهر في القاهرة فجر الجمعة الموافق 19 فبراير، حيث كانت تتواجد جثة الشاب القتيل, قبل أن يتم تسليمه لذويه. ريجنيوفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد, طلب الرئيس السيسي إدخال تعديلات تشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمني في الشارع المصري، بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز حق المواطنين. وأكد السيسي أثناء اجتماع مع وزير الداخلية مجدي عبد الغفار الجمعة الموافق 19 فبراير أن "هناك تقديرا لجهود الشرطة"، داعيا إلى "محاسبة التجاوزات الفردية عبر تشريعات تقدم لمجلس النواب خلال 15 يوماً"، بحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية.