القرار المفاجئ الذي صدر اليوم عن مجلس التعاون الخليجي ، بكامل أعضائه ، والذي قرر تصنيف جماعة "حزب الله" اللبنانية بوصفها منظمة إرهابية ، وما نص عليه القرار من اعتبار جميع كوادره وقياداته ومؤسساته يشملها التصنيف الجديد ، أي أنها كيانات وشخصيات إرهابية ، هو قرار بالغ الخطورة ، خاصة وأنه يشمل وزيرين في الحكومة اللبنانية وعشرات الأعضاء في البرلمان اللبناني ، ويكشف القرار عن أن دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وصلت في المواجهة مع إيران وجيوبها في المنطقة إلى حدود لا رجعة فيها ولا حلول وسط ، حيث يلعب حزب الله اللبناني أهم دور في أذرع إيران في المنطقة وأصبح مشاركا في جميع المعارك والحروب التي تشهدها المنطقة ، من سوريا إلى العراق إلى اليمن ، وقد تم ضبط عناصر مرتبطة به تنسق نشاطات خلايا طائفية متطرفة في السعودية والبحرين والكويت ، وضبط شحنات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي تكشف عن خطط شديدة الخطورة على أمن الخليج . هذا القرار له تداعيات بالغة العمق على المستويات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والأمنية ، وعلى الرغم من أن مصر قد حصلت على معونات كبيرة من الخليج في السنوات الأخيرة لإنقاذ اقتصادها من الانهيار ، وعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من المصريين في الخليج ، إلا أن لبنان يرتبط اقتصاده بالخليج بصورة أكثر خطورة ، وبدأت الأصوات العاقلة في لبنان تتحدث عن كارثة مقبلة في البلاد ، خاصة وأن الخليج بدأ حملة ترحيل لكل العاملين الذين يرتبطون بحزب الله أو يحملون ولاء له باعتبارهم نقاط ارتكاز مقلقة من الناحية الأمنية ، كما قطعت السعودية هبة مالية تقدر بثلاثة مليارات دولار كانت قد وعدت بها لبنان لتحديث جيشها ، قبل أن يتحول الجيش اللبناني إلى حرب على السعودية ومصالحها في سوريا ، وبعد أن انحازت الخارجية اللبنانية علنا لإيران ضد السعودية عندما تم اقتحام سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد وحرقهما ، وقد أدان العالم كله هذه الواقعة ، حتى إيران نفسها بعد ذلك اعتبرتها من فعل متطرفين ومهاويس ، لكن لبنان رفض أن يدين هذه الجريمة ، وهو موقف يكشف إلى أي مدى استولى حزب الله على القرار اللبناني حتى لو كان ضد مصالح لبنان بصورة واضحة وصريحة . القرار الخليجي في أحد توابعه المهمة والخطيرة بالنسبة لنا في مصر ، أنه يشكل حصارا سياسيا وديبلوماسيا جديدا على التوجهات المصرية إقليميا ، وأصبحت مساحة المناورة أمام مصر في الملف السوري تحديدا ضيقة ، لأن حزب الله الإرهابي شريك في حرب بشار الأسد على شعبه وعلى الثورة السورية ، والقرار الجديد يمهد لاستهداف ميليشيات حزب الله وقواته في سوريا كما يستهدف داعش والنصرة باعتبار الجميع منظمات إرهابية ، كما أن مصر تحتفظ بعلاقات جيدة مع حزب الله الإرهابي ، وقد استقبلت القاهرة وفدا من الحزب قبل أيام بدعوى تقديم العزاء في الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل ، الآن ستكون القاهرة ملزمة بالتعامل مع حزب الله اللبناني باعتباره منظمة إرهابية ، احتراما للقرار الخليجي ومصالحه الحيوية وأمنه القومي ، خاصة وأنه قرار صادر بالإجماع ، وبالتالي فتجاهل مصر لهذا القرار أو ترددها في الإعلان عن تصنيفها لحزب الله بوصفه كيانا إرهابية سيكون تمهيدا لقطيعة حقيقية مع الخليج ، وخاصة مع الرياض وأبو ظبي ، وهما السند الأساس وربما الوحيد لنظام الرئيس السيسي الآن ، كما أن الخليج احترم قرار نظام السيسي عندما قرر تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية ، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا التصنيف ، لكننا نتحدث عن واقع جرى وعلاقات إقليمية ترتبت على ذلك . هل ستعلن القاهرة غدا أو خلال هذا الأسبوع قرارها باعتبار حزب الله منظمة إرهابية ، أم أن التردد الذي اتصفت بها السياسة الخارجية المصرية سيمتد بظلاله إلى هذا الموقف ، هذا ما سنستبينه قريبا ، والمؤكد أنه سيكون مفصليا وحاسما في بوصلة مصر الإقليمية ومحددات أمنها القومي في تلك المرحلة والمحاور التي تنحاز إليها .