ترددت كثيرا قبل الخوض في موضوع بركان سوريا الذي فجره هروب وانشقاق السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري بعد أن أمضى في الخدمة أربعين عاما كان فيها مثالا للطاعة العمياء والولاء ولم نسمع له صوتا في أى مناسبة مفرحة كانت أم محزنة ! ولكني قررت أن أنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وهي زاوية معاناة الرئيس السوري( الشاب ) بشار الأسد ، وكيف نالت منه ومن سلطته وهيبته أحاديث خدام الصحفية وتصريحاته الإعلامية التي كشفت مكنون ما يدور في سوريا وقدمته للرأي العام من فم من لا يمكن إنكار شهادته خصوصا وأنه خدم في السلطة أربعين عاما ولديه من الأسرار ما تنوء بحملها الفضائيات والصحف العربية والعالمية ، فلا شك أن الرئيس ورفاقه في السلطة يعانون أيما معاناة وهم الآن يتخبطون و لا يعرفون من أين تأتيهم الريح هل من قناة العربية التي تتهمها سوريا بأنها وراء ما يحدث ؟ أم يأتيهم من فرنسا التي تصر على استجواب بشار وتأديبه جراء موقفه من فرنسا وخلفه لوعده لها بعدم التمديد للحود أم من الداخل الذي بات يغلي بعد المعلومات التي نشرها خدام عن الفساد والمحسوبية وأشياء أخرى ؟ أم من لبنان الذي يتمتع بصحافة حرة ( وسليطة ) وبمعارضة سياسية لها ثأر قديم مع النظام ؟ أم من الخارج ممثلا في المعارضة التي أوذيت كثيرا على يد الوالد وولده ؟ أم من أمريكا المتربصة والشغوفة في الانتقام من سوريا لعدم تعاونها الكافي في موضوع العراق ؟ أم من العراق الذي أصبح يستأسد على سوريا ويهددها كما لو كانت بالفعل هناك دولة وحكومة مستقلة في العراق ؟ لكنني أجد أن كل هذه الرياح كان بإمكان النظام تفاديها لو كان نظاما حرا وديمقراطيا ، وأزعم أن النظام السوري يدفع فاتورة التوريث ، فليس من المعقول أن يناوش الأسد أمريكا وهي التي وافقت على توريثه ولم تعارضه بدليل حضور أولبرايت مراسيم دفن حافظ الأسد ، وقد كان بإمكانها فعل ذلك لولا أنها رأت أن النظام المورث هو نظام ضعيف يمكن ابتزازه مستقبلا ، وحين جاء وقت الحساب ورد الجميل فوجئت أمريكا بالأسد الصغير يتعامل معها كما لو منتخبا من شعبه الذي سيوفر له طوق النجاة حين تقع الأزمات ، بشار الأسد اعتقد أن صمت أمريكا على استلامه الحكم بالطريقة المسرحية التي شاهدها العالم يعني أنه أصبح بالفعل رئيسا حقيقيا ونسي الأسد أن فاتورة التوريث يجد أن يدفعها الوارث لمن ساعد أو سكت عن توريثه . ما يتعرض له النظام في سورية ليس مبعثه خدام وحده بل النظام نفسه بكل طاقمه وبكافة أفراده ، فالتوريث يعني في نظر هؤلاء أن البلاد صارت ملكا لهم وأن العباد صاروا عبيدا عندهم ، لذا فليس من المستغرب أن يخرج رستم غزالي ليقول إنه ينعم بجنة بشار الأسد ! فكما أنه ورفاقه ساعدوا الأسد في استلام الحكم ، ساعدهم الأسد ورد الجميل لهم بأن أورثهم الشركات والمناصب وأورثهم الوطن بأسره ، إذن الأسد الصغير يعرف أن هناك فواتير يجب سدادها لكنه أخلف مع طرفين فقط الشعب السوري وأمريكا التي تعرف كيف تستخدم هؤلاء ثم تلفظهم ، أما الشعب فلأنه لا قوة له فلم يعبر بعد عن موقفه . فاتورة التوريث سارية المفعول ومجربة في أكثر من مكان حول العالم ويمكن استنساخها في أماكن أخرى خصوصا إذا تشابهت الظروف والمعطيات . هذا حساب دنيوي بحت ، أما الآخرة فعلمها عند ربي . [email protected]