طبيعي أن تثير السجادة الحمراء الباذخة كل هذا الجدل وأكثر، وغالبية من تحدثوا عنها مدفوعين بالحرص على المصلحة الوطنية التي تتطلب أن تقترن أقوال السلطة بأفعالها، فليس مفهوما أن تكون سيارات الموكب الرئاسي تسير فوق تلك السجادة الطويلة المستفزة ثم بعد دقائق فقط يتحدث الرئيس عن التحديات والمصاعب الشديدة في تدبير المال اللازم للمشروعات، ويدعو الشعب لضرورة التحمل، ويشير إلى أن الحكومة مضطرة لرفع الدعم عن مياه الشرب، وعندما يترافق ذلك مع برنامج لرفع الدعم عن أسعار الكهرباء خلال خمس سنوات لتحريرها، وزيادة رسوم العديد من الخدمات، والغلاء الفاحش في مختلف مجالات الحياة، وتزايد البطالة، ومستوى الخدمات المتردي، فالنتيجة هى حالة قلق عام من المستقبل، ومن أن كل شيء في مصر فوق طاقة معظم الشعب، تقترب من الأسعار في أي بلد غني، أو يزيد، بل من المدهش أن الأسعار العالمية في الغذاء مثلا عندما تنخفض فإنها لا تنخفض في مصر، انخفضت 15% في 2015 ، لكن هل شعر أحد بتراجعها، أم بمزيد من الارتفاع؟، والمحاولات الحكومية للتخفيف من آثار الغلاء مجرد مسكنات وإجراءات طارئة أو وقتيه. لماذا توجد السلطة التي تحكم الدولة إذا كانت تشتكي ليل نهار من قلة الموارد؟، الأصل أن من يتصدون للمسؤولية يعلمون حقائق الأوضاع ومصاعبها وعوائقها جيدا، ويكون لديهم برنامج مفصل للتغلب على تلك الأوضاع وتخفيف المصاعب بوسائل وإجراءات لا تضاعف الأعباء على المواطنين خصوصا من هم في مستويات اجتماعية واقتصادية صعبة ومتدنية، في الديمقراطيات يتبارى المتنافسون على الحكم سواء كانوا أشخاصا أو أحزابا على طرح برامج ليس لحل المشاكل وطمأنة مواطنيهم بعدم فرض أعباء جديدة عليهم وبالتصرف إزاء الأزمات بحلول إبداعية من خارج الصندوق فقط، إنما بوعود للمواطنين بالرفاهية، هذه وظيفة من يريد التصدي للعمل العام، ونيل ثقة شعبه، والناخب يتجه للبرنامج الأفضل والأكثر تناسبا له وتفهما لأوضاعه، لكن أين ذلك في مصر، وممن يحكمون مصر؟، وهل لم تكن الأوضاع معروفة وواضحة مسبقا، أم أنهم فوجئوا بها بعد شهور طويلة بالمشاكل والأزمات؟، ماهي الرؤية، وأين الخطة والحلول السحرية التي لا تكتفي بمجرد الرفع التدريجي للدعم الذي يتحمل عبئه المواطن الفقير، ومن هو دون خط الفقر، والمتوسط الحال، وترك المجال العام نهبا لقوى العرض والطلب في بلد يستورد كل احتياجاته، بلد مستهلك بالأساس، والسلطة بلا ضوء تسير على هديه في طريق الأشواك والآلام والمصاعب، هل كان المهم الوصول للسلطة أولا ثم النظر بعد ذلك في المشاكل ثم تحميلها للشعب وللزيادة السكانية التي تلتهم التنمية، وتحميل المواطن المسؤولية عما آلت وتؤول إليه الأحوال، وكأن هذا المواطن هو الذي يحكم بالأمس واليوم، وكأنه هو صاحب القرار، وكأنه هو الذي يدير؟. المواطن اختار من يحكم، وخياراته كانت محدودة، وحتى لو كان وضع ثقته في شخص بعينه اعتمادا على وعود جذابة، فهل يكون الجزاء أن أعباء إضافية تثقل كاهله، وخطاب جديد يصدمه، ومع ذلك يظل يمنيه بالقادم الأحسن، والقلق هنا هو العودة إلى نفس دوامة ال 30 سنة مبارك حيث ظل الناس يسمعون وعودا بأن القادم أفضل حتى انتهى هذا القادم إلى طوابير الخبز، وطوابير لمياه الشرب. قلت من قبل عندما تكون البلاد في أزمة فهذا يتطلب أن تتم المحاسبة على كل جنيه، أين تم صرفه؟، وهل صُرف في الوجه الصحيح؟، وهل ناتج صرفه عمل جيد يدوم، أم إهدار وتبديد وفساد؟، وإذا كانت السلطة تتحدث عن الحرب على الفساد، وعن النزاهة، وتكرر عبارة "نجيب منين، مفيش فلوس" فكيف يتم صناعة أو شراء تلك السجادة من الأصل؟، من فكر؟، ومن قرر؟، وكيف مشى عليها الرئيس دون إثارة الانتباه إلا لما تزايد الحديث عنها؟، والأغرب أن يُقال إنها موجودة منذ فترة، وتم استخدامها في أكثر من مناسبة، لكن من الجيد أن يكون قد تم الانتباه لها ليتم إيقاف مثل هذا الإسراف لدولة مديونة، وسلطة تحمل الشعب عائد حيرتها وعدم قدرتها على التخفيف عنه، وصورة مصر لا تعكسها سجادة باهظة الثمن، فحتى أغنى البلدان لا تفعل ذلك، ولا تفكر في تصدير صورة جميلة لها بهذا الأسلوب، إنما برفاهية شعبها وسعادته ورضاه العام وحريته والمباهاة بسجلها في حقوق الإنسان، والانتفاضة لأي مواطن يتعرض لمكروه في الداخل أو الخارج، هل ترون ماذا يفعل الطليان، وقبلهم المكسيكيون، والروس؟. لو كان السيسي انتقد تلك السجادة وهو يتحدث مرارا خلال افتتاح المشروعات السبت الماضي لكان سجل نقاطا مهمة، ولكان اقترن القول داخل القاعة عن ضرورات التقشف بالفعل من رفضه للسجادة، وطلبه عدم استخدامها، بل وبيعها ووضع ثمنها في أي مشروع، أو في صندوق تحيا مصر، لكن توضيح أمر السجادة جاء بعد الضجة حولها، فلا تلومون الخصوم الذين يستفيدون من تلك التجاوزات، ويشهرون بكم، بل لوموا أنفسكم في الإدارة وفي السياسات والسلوكيات والقرارات، فأنتم من تمنحون الآخرين الهدايا المجانية للدعاية السوداء ضدكم. لو كانت تلك السجادة بألف جنيه فقط، وليس بمليون أو أكثر ما كان يجب السكوت عليها، فالمعنى ليس في الثمن، ولكن في الرسالة وفي المغزى الذي تشير إليه وتعكسه. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.