سلطت صحيفة هافينتجون بوست الضوء على الصعوبة التى يواجهها المؤلفون المصريين فى نشر الكتاب الأول لهم، رغم أن المُلاحظ يمكنه أن يرى رواجاً كبيراً في الإنتاج الثقافي، حيث كشف معرض القاهرة للكتاب في دورته الحالية غزارة في الإنتاج وفي الإصدارات لدور نشر بعضها معروف، وبعضها بالكاد قد تسمع عنه، إضافة إلى أسماء كتاب جدد. ورصدت صحيفة هافينتجون بوست المصاعب التى يواجهها الكتاب بنشر مؤلفاتهم حيث أن هناك دوراً للنشر تتعامل مع الكتابة كتجارة، معلية مبدأ الربح كأولوية لنشر الكتاب فى حين نجد دور نشر التى تحاول أن تحتفظ بأخلاقيات المهنة، فضلا عن بعض الإشكاليات التي تواجهها فيما يخص نشر الكتاب الأول، منها أنها مسئولة عن ترويج أسماء غير معروفة، ومنها أن القارئ لا يهتم كثيراً بفروع من الإبداع مثل الشعر. واشارت الصحيفة فى تقرير لديها بأن هناك أيضاً كتّاب شباب كثيرون في بداية طريقهم الإبداعي في الكتابة، تتبادر في أذهانهم الفكرة "الوردية" فيما يخص مسألة النشر، فيعتقدون أنه بما أن النص، أو الكتاب الذي سيرسلونه إلى الناشر جيد، ومكتوب بلغة سليمة، سيلقى ترحيباً، وستتم الموافقة على نشره. وما إن يبدأ الكاتب الناشئ طرق أول بابٍ لدار نشر، حتى تبدأ المعركة. فعدا أن الكتاب قد يُرفض لأن كاتبه "غير معروف"، فقد يُرفضْ الكتاب أيضاً لأنه شعر وليس رواية! وستتعدد الأسباب إلى أن يتضح السبب الرئيسي، وهو أن على الكاتب الجديد أن يدفع مبلغاً من المال، أو تكون له شبكة علاقات واسعة، كي تتم الموافقة على نشر كتابه على حد وصف الصحيفة . مرارة الرفض والتسويف عن تجربته مع نشر أول كتاب له، يقول الكاتب المصري أحمد مجدي همام، صاحب رواية "أوجاع ابن آوى": "للأسف.. الناشرون في بلادنا أقرب إلى التجار منهم إلى منتجي الثقافة، وقد كنت واحداً من الكُتاب الشباب الذين عانوا لإصدار كتابهم الأول. وكما كثيرين غيري اضطررت إلى دفع مبلغ مالي للناشر، لكني بعد ذلك أدركت حجم الضيم الواقع عليّ، وقررت ألا أدفع مليماً واحداً في النشر، وهذا ما حدث مع كتابيّ الثاني والثالث، الآن ومع استعدادي لإصدار الكتاب الرابع، فإن الوضع بات مختلفاً، حيث توصّلت لاتفاق مع الناشر على أن أتقاضى نسبة من المبيعات، الأمر إذن يرتبط باسم الكاتب وتاريخه، فالكاتب الشاب الذي لم يسبق له النشر سيجد نفسه مضطراً للدفع، وسيرى مرارة الرفض والتسويف على يد الناشرين. إلا أن الأمر سيصبح أيسر في الأعمال التالية إذا أدرك النجاح". جهود ذاتية أما الشاعر والقاصّ المصري ياسر عبداللطيف الذي يحكي ذكرياته مع تجربة النشر في البدايات فيقول: "في 1995 كان نشر ديوان لشاعر يكتب قصيدة النثر أمراً شديد الصعوبة، لاسيما إن كنتَ لا تريد أن تخضع لممارسات الموظفين الرقابية والتسلطية في أروقة أجهزة النشر الحكومي؛ وكانت هناك دار نشر وحيدة قد تتحمس لهذا النوع، تتميز بدرجة عالية من سوء توزيع الكتب، فهي تنشر الكتاب وتبقيه حبيساً في أرففها". ويضيف: "فكرت مع صديقي الشاعر أحمد يماني في إصدار أول ديوانين لنا بالجهود الذاتية وفي طبعة مستقلة، وعملنا ما يسمى "جمعية"، وهي طريقة تعاونية شعبية في مصر في ادخار النقود بين مجموعة من الناس، بحيث يدفع كل منهم مبلغاً بسيطاً كل شهر ويقبض واحد منهم المجموع كله، وعلى توالي الشهور. تولت السيدة والدة يماني (رحمها الله) أمر الجمعية، وقبضناها وذهبنا بالديوانين لمطبعة كان يديرها أحد الأصدقاء وطبعناهما، وصرنا نوزعهما بأنفسنا على المكتبات وقاعات الفنون. وكانت تجربة ناجحة إلى حد كبير تخلصنا فيها من سطوة دور النشر". أما الكاتب أحمد شهاب الدين فيقول إن صديقه يمتلك داراً للنشر، وقد نشر معه العام الماضي كتابه الجديد. لكنه لم يُخفِ ملاحظاته عن بعض المشاكل التي تواجه بعض الكتاب الجدد بقوله إن المشاكل تظهر في "الفوضى والشللية واختفاء المعايير، إذ لا يوجد شيء منظم بطريقة تقدّر الإبداع في الكتابات الجديدة، وتميز الخبيث من الجيد.. وعندما تقدمت بكتابي الأول لداريّ نشر لم يرد عليّ أحد بالقبول أو الرفض، ربما لأني لم أذهب إليهم عبر معارفهم أو عنصر من شلّتهم". كما يرى شهاب الدين أن تناول بعض النصوص في الصحافة وتجاهل أخرى تحكمه الشللية، فيتم إلقاء الضوء على تجربة بعض الكُتاب دون غيرهم، ما يسهم في نجاح خادع لبعض الكُتاب. ويختم كلامه بقوله إنه ليس أمام الكاتب المبدع الذي ينشر للمرة الأولى سوى ادخار 3000 جنيه لنشر كتابه، وبضع مئات أخرى من الجنيهات يرتاد فيها بعض المقاهي، ويحافظ على بعض الندوات لاكتساب صداقات مع الصحفيين والنقاد والكُتاب "المعروفين" حتى يحظى ب"ملاحظة" نقدية لإبداعاته، بغضّ النظر عن قيمة ما يكتبه. البعض يدفع كما قال شهاب 3000 جنيه، والبعض يدفع أكثر، وكلما ارتفعت شهرة دار النشر زاد المبلغ المدفوع من المبدع، ويرتفع المبلغ أكثر فيصل إلى 1000 دولار إذا كان الكاتب الذي يريد النشر في مصر عربياً. والملفت أن دور النشر تصدر أعداداً محدودة من الكتاب لا تتجاوز 200 نسخة تقريباً، تعطي للمبدع منها 50 نسخة فقط، والباقي تقول إنه مطروح في السوق، ولا يجد الكاتب كتابه موجوداً في المكتبات بعد ذلك في أغلب الأحوال. الدفع فقط للشعر والقصة القصيرة والمسرح على الجانب الآخر يرى بعض أصحاب دور النشر أنهم أيضاً في ورطة يعانون مثل الكاتب في نشر الكتب الأولى لكُتاب غير معروفين. مصطفى الشيخ، مدير النشر في دار آفاق المصرية، يقول إن المعيار الأول للنشر هو جودة النص، بعد ذلك يتم الاتفاق على تفاصيل نشر العمل. وعن مسألة "نشر الكتاب الأول" يوضح الشيخ أنه بالطبع كونه العمل الأول للكاتب تتم إعادة النظر في الكمية التي تطبع في العادة، مؤكداً حصول دور النشر على مقابل مادي، فقط بالنسبة لبعض الأجناس الأدبية مثل الشعر والقصة القصيرة والمسرح. وأضاف أن لكل دار طريقتها مثل أن يتم الاتفاق مع الكاتب على شراء عدد من النسخ بعد الطبع يغطي جزءاً من التكاليف، حسب كل دار. لسنا مكتب خدمات طباعية نحن دار نشر أما خالد سليمان الناصري، مدير منشورات "المتوسط"، وهي دار نشر حديثة نسبياً تحاول أن تقدم تجربة مختلفة في مجال النشر، فيقول: "سياسة الدار يقررها الناشر، أو المحرر. بالطبع هناك كتّاب نحن نبادر بالبحث عنهم، ونحن مَنْ يطلب منهم إن كانوا يرغبون في التعاون معنا ونشر كتبهم في الدار. وهناك كتّاب هم مَنْ يعرضون علينا كتبهم". ويوضح "أول الشروط لقبول الكتاب للنشر تعتمد على قراءة الكتاب أو النص، وفي حال كان النص جيداً، ووافقنا على نشره، نبدأ في إجراءات التعاقد". وتعليقاً على سؤال: هل يتم أخذ مبلغ مالي مقابل النشر؟ يجيب الناصري: "نحن في دار منشورات المتوسط، لا يوجد عندنا هذه القضية نهائياً، وأنا شخصياً، إضافة لأسرة الدار، نحاول أن نحترم أنفسنا، نحن لسنا مكتب خدمات طباعية، نحن دار نشر، بالتالي نحن بالتأكيد لا نأخذ مقابلاً مالياً، وهذه السياسة تنطبق حتى على الشعر والقصة، وكل الأنواع الأدبية، وحتى لو كان الكاتب غير معروف. يهمنا أن يكون النص جيداً". كما يؤكد الناصري على الاتفاق المالي فيقول: "بالطبع الكاتب بالتأكيد له حق مالي. وهو حر، إما أن يتقاضاه مالياً، أو كنسخ من الكتاب، هذا الأمر يتم بالاتفاق بيننا". ويضيف الناصري أنه "من جديد ظهرت بوادر قضية لها علاقة بالكتّاب الميسورين مادياً، فعندما علموا أن الدار لا تتقاضى أجراً على النشر قرر البعض منهم أن يترك جزءاً من مستحقاتهم المالية، لدعم إصدارات لكتب شباب آخرين"، مضيفاً أن هذه المبادرة كانت رائعة بالنسبة لمنشوارات المتوسط، فبدأت الدار بتحويل هذه المبادرة لقصة حقيقية على أرض الواقع. و"مع الوقت من الممكن أن نؤسس لمشروع له علاقة بدعم إصدارات للشباب، من قبل كتّاب هم بطبيعة الحال كُتاب ناجزون، وعندهم الرغبة في دعم الإصدارات. بالمقابل جاءتنا بعض الكتب وعُرض علينا مقابل مالي، وبالطبع لم نقبل". هناك دور نشر أخرى لا تحصل على مقابل مادي، ولكن النشر يتأخر لأكثر من سنتين، فيفضل الكاتب في مصر الذهاب إلى مَنْ يحصلون على المقابل لنشر إبداعهم بسرعة.