أستطيع القول إن النظام الحاكم فى مصر ، قد سقط أخلاقيا وأدبيا ، سقوطا مدويا ،لا قيامة بعده ، وتكرس هذا السقوط فى الأيام الماضية ، ودليلى على هذا وقائع ثلاث أخيرة ، أحدث كل منها شرخا لا يداوى فى مشروعية النظام ، والتى لا يمكن لأى حكم ، طبيعى ! ، أن يستمر بدونها ، ولا يستطيع أى نظام أن يعيش مع افتقادها، وهذه الوقائع اخترتها من مئات الوقائع ، المعروفة والمكشوفة والمعلنة ، التى يكفى كل منها للتدليل على تآكل مشروعية الحكم ، ولإعلان" الفراغ الأخلاقى " الناجم عنها ، و" الفراغ الأخلاقى " يسبق دائما "الفراغ الشرعى " ، الذى يعنى ، ضمن معان عديدة ، أن موعد ذهاب هذا الحكم ، أو ، ذاك ، قد أزف ، وأن الحكم قد تأهل لإطلاق صافرة النهاية !. فالواقعة الأولى ، فى هذا السياق ، هى حوادث البلطجة والعدوان ، التى وسمت انتخابات شهر نوفمبر الماضى لاختيار أعضاء البرلمان الأخير ، حيث استخدم زبانية الحزب الوطنى الحاكم وأجهزة قمعه ، كل أشكال العنف فى مواجهة الخصوم السياسيين، بما فى ذلك عنف استغلال فقر المجتمع ، وحاجة ناسه المتفاقمة ، من أجل شراء أصواتهم ، والسيطرة على إرادتهم ، ناهيك عن القتلى والجرحى ، الذين سقطوا مضرجين بدماهم ومنظر حاملى " السنج " و " الجنازير " ، والمطاوى والسيوف ، الذى حفلت به الصحف والفضائيات ، وأصبح علامة مسجلة على ديموقراطية الحكم السعيد ! . أما الواقعة الثانية ، فهى الجريمة الأخلاقية والمادية الشنيعة ، التى ارتكبها النظام بدم بارد فى مواجهة مرضى وجوعى ونساء بائسات ورجال ضعفاء يائسين ، احتموا بنخوة الشعب المصرى ، واستظلوا بشجرة حضارته السمحاء ، من قسوة الظروف ، وغدر الأيام ، وبشاعة الأوضاع ، فكان نصيبهم الويل من بطش حكم فقد إحساسه الآدمى ، فتجرأ على المعدمين العزل ، فى مذبحة فجر الجمعة الدامى ، بميدان مصطفى محمود ، والتى لازالت توابعها الزلزالية تتفاعل ، وتؤرق الضمير الإنسانى ، وتفرض وجودها الكئيب على العالم أجمع ! . ونصل إلى الواقعة الثالثة ، وهى الأقدم ، من حيث زمن ارتكابها ، والأحدث من حيث الإعلان عن المصير التى آلت إليه ! . فقد روعت الأوساط السياسية والحقوقية والاجتماعية والثقافية والصحفية ، بنبأ إعلان النائب العام قراره بحفظ التحقيق فى قضية الانتهاك العلنى لأعراض الصحفيات ، والزميلات من عضوات حركة " كفايه" ، ممن تعرضن للاعتداء عليهن يوم الأربعاء الأسود ، ( 25 مايو 2005 ) ، يوم الاستفتاء على تعديل المادة ( 76 ) من الستور ، ففى هذا اليوم الشائن ، حمت قوات أمن النظام وجحافل وقيادات الحزب الوطنى ، قطعان البلطجية والمجرمين ، وهم يهمون باغتصاب فتيات من أنبل فتيات الوطن ، بعد أن طاحوا سحلا وضربا فى شباب وشابات حركة " كفايه " ، أمام ضريح سعد ، وفى مواجهة سلم نقابة الصحافيين ، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ، الذى ضج غضبا من هذا الفعل الدنيئ ، ومما يعكسه من أخلاقيات ومناقب ، وما يظهره من توجهات سلطة ساقطة ، تشيع الخزى والعار أينما تحركت ، وفى كل تصرف أتت ! . إن تكريس البلطجة والقهر ، كأداة رسمية معتمدة من أدوات إرهاب الدولة ، وانتهاك الأعراف الإنسانية والأخلاقية ، واللجوء إلى قوة جهاز الدولة لإسباغ الحماية والحصانة على القتلة والمجرمين ، كلها من " علامات الساعة " ، وهى دليل أكيد على أن أوان الرحيل قد أزف ، وأن هذا النظام يشعر فى قرارة نفسه أن أيامه ، مهما طالت ، باتت معدودة ، وأنه لم يعد قادرا على السيطرة على الوضع كما كان يسيطر فى الماضى ، ومن ثم يلجأ إلى العنف العارى والقوة المفرطة ، لإحكام قبضته على البلاد ، لكن هيهات ، فقد هل عصر جديد ، والشعب لم يعد يخشى جلاديه ، والليل أوشك على الزوال ! . ذلك أن التاريخ يعلمنا ، وهو أقدر المعلمين ، أن النظم السياسية تسقط أدبيا وأخلاقيا ، قبل أن يعلن سقوطها المادى المنظور ، ودائما ما يكون السقوط الأدبى والأخلاقى للنظم الحاكمة هو المؤشر الدال على وجوب التغيير ، والمعبر الواضح عن انقضاء عهد ، والمبشر بانبلاج عصرٍ جديد !.