هذه الورقة البحثية المختصرة أرسلها لي الخبير المصري الشاب الدكتور أحمد مصطفى ، وهو أستاذ مساعد في معهد مارس لدراسات المخ في استراليا ، ومعني بتطوير النظم التعليمية ، والحقيقة أنها ورقة مهمة للغاية ، وفيها أفكار خلاقة ، ويمكن البناء عليها مع بعض التطوير ، وأنا أضعها هنا داعيا كل مهتم بهذا الملف الحيوي وكل خبراء التعليم أن يتعاطوا معها بجدية ، والمصريون مستعدة لنشر الحوارات البناءة في هذا الملف الذي يمثل معضلة كبيرة في بلادنا ، تهدر المليارات سنويا من الخزينة العامة أو من جيوب المواطنين حتى البسطاء منهم ، بدون مردود حقيقي ، لا على الدولة ولا على الأسرة والمجتمع ، عملية استنزاف مالي وعمري بلا أفق ولا معنى س1 ما هي الأخطاء في نظام التعليم الأساسي في مصر؟ تعتبر المدارس التجريبية التي انتشرت في أواخر التسعينيات من أكبر الأخطاء في نظام التعليم المصري. ولقد استقطبت المدارس التجريبية أبناء الطبقة المتوسطة، ومن المعروف أن الطبقة المتوسطة تهتم جدا بتعليم أبنائها، وعادة يظهر منهم العلماء والمهندسين والأطباء. في المدارس التجريبية يتم فيها تعليم الطفل العلوم والرياضيات في المرحلة الابتدائية باللغة الإنجليزية. ويبدأ الطفل في عمر 4 سنوات تقريبا في الذهاب لدور الحضانة لتأهيله للالتحاق بالمدارس التجريبية، حيث يبدأ بدراسة اللغة الإنجليزية. وفكرة إنشاء المدارس التجريبية استندت على تصور خاطئ تماما وهو أنه طالما أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم فالأفضل أن يتعلم الطفل العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية منذ الطفولة. وهذا التصور خاطيء تماما لأن شرط أن يبدع الطفل في العلوم والرياضيات هو أن يتعلمها في المرحلة الابتدائية باللغة الأم. والذي حدث هو أن المدارس التجريبية استمرت لحوالي 20 سنة، وكانت النتيجة هي ضعف الطلاب المصريين في العلوم والرياضيات.
ومن الجدير بالذكر، أن كل الدول التي تقدمت علميا مثل ماليزيا، وكوريا الجنوبية، قامت بإعداد مناهج للعلوم والرياضيات للمرحلة الابتدائية بلغاتها الأم. الخطأ الثاني في نظام التعليم المصري هو تدريس مادة اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية العادية في الصف الأول الابتدائي. وتحديد أفضل عمر لبدء تعليم الطفل اللغة الإنجليزية ليس أمر سهل، لذا من الأفضل الاقتداء بنظام التعليم الياباني في هذه الجزئية، خصوصا وأن اليابان تطور نظامها التعليمي باستمرار وفقا لأحدث دراسات المخ، لكي تضمن إعداد أجيال من الشباب الياباني المبدع في كل المجالات العلمية. ووفقا لنظام التعليم في اليابان فإن أفضل عمر لتعليم الطفل اللغة الإنجليزية هو عمر 10 سنوات، لذا يبدأ تعليم اللغة الإنجليزية في اليابان في الصف الخامس الابتدائي، وبمعدل حصة واحدة أسبوعيا. ونظام التعليم في اليابان يهتم جدا بالفترة العمرية من عمر 6-10 سنوات، حيث يتم إعداد الطفل في هذه الفترة إعداد جيدا لتأهيله مستقبلا للتخصص في أحد التخصصات العلمية المختلفة. لذا يتم التركيز في هذه الفترة العمرية على تعليم الطفل مهارات التفكير المنطقي، والرياضيات، والعلوم، واللغة اليابانية. ومن الجدير بالذكر أن الطفل في عمر 10 سنوات يكون قد أتقن لغته الأم، لذا فهو يتعلم اللغة الإنجليزية بسرعة. س2 كيف يمكن إصلاح نظام التعليم في مصر؟ إصلاح نظام التعليم في مصر ليس أمر صعب بل هو أمر في غاية السهولة، حيث من الممكن أن تقوم مصر بتطبيق نظام التعليم الياباني، مع العلم أن كوريا الجنوبيةوماليزيا قامت بتطبيق نظام التعليم الياباني، وكان هذا هو السبب الأساسي في التقدم المذهل الذي حدث في كوريا الجنوبيةواليابان. ومن الجدير بالذكر أن اليابان تطور نظامها التعليمي باستمرار وفقا لأحدث دراسات المخ، لكي تضمن إعداد أجيال من الشباب الياباني المبدع في كل المجالات العلمية. وتطبيق مصر لنظام التعليم الياباني يعني الآتي: 1- سوف يبدأ تعليم اللغة الإنجليزية في الصف الخامس الابتدائي بمعدل حصة واحدة أسبوعيا. 2- سوف يتم تعليم العلوم والرياضيات باللغة العربية في مرحلة التعليم الأساسي. 3- سوف يتم التركيز على تعليم الطالب مهارات التفكير المنطقي. 4- سوف يتم إعداد كتب سهلة لتعليم الطالب اللغة العربية. 5- سوف يتم البدء في تعليم الطفل مهارات القراءة والكتابة في عمر 6 سنوات، وليس قبل ذلك. 6- سوف يتم تقليل الامتحانات جدا، بحيث يكون الهدف هو تعليم الطالب وتدريبه لاكتساب المهارات الرياضيات والعلمية واللغوية اللازمة. س3 كيف ستحصل مصر على المناهج التعليمية الحديثة؟ سوف تفعل مصر كما فعلت ماليزياوكوريا الجنوبية من قبل، حيث قامت هذه الدول بترجمة المناهج التعليمية المستخدمة في اليابان. ومن الممكن جدا أن يقوم الخبراء المصريين بترجمة المناهج التعليمية اليابانية إلى اللغة العربية، وبهذه الطريقة سوف نضمن أن تكون المناهج المطبقة في مصر هي الأفضل في العالم. س4 وماذا عن المدارس التجريبية واللغات الموجودة حاليا؟ أفضل شيء هو أن تبقى هذه المدارس كما هي بحيث تكون مدارس متميزة بمصروفات، وفي نفس يتم تدريس العلوم والرياضيات في هذه المدارس باللغة العربية. س5 كيف سيتم تدريب هذا العدد الهائل من المعلمين على شرح هذه المناهج الحديثة ؟ طرق شرح المناهج الحديثة المطبقة في اليابان يختلف تماما عن طرق شرح المناهج التقليدية المستخدمة حاليا في مصر. حيث أن المناهج التقليدية المستخدمة حاليا في مصر تعتمد على الحفظ والتلقين، بينما المناهج الحديثة المطبقة في اليابان تعتمد على أن يقوم المعلم بتبسيط المعلومة للطالب بحيث يفهمها جيدا، ومن ثم يتم تخزينها في مخ الطالب بطريقة قوية. وبعد ذلك يقوم الطالب بحل تدريبات لربط المعلومات بعضها ببعض، بعيدا عن الحفظ والتلقين. ويعتبر تدريب هذا العدد الهائل من المعلمين على شرح تلك المناهج الحديثة تحد كبير. ولكن هناك حل مثالي لهذه المعضلة، وهذا الحل يتمثل في أن يقوم فريق الخبراء بتدريب عدد محدود من المعلمين الموهوبين، بحيث يقوم هؤلاء المعلمين الموهوبين بعد ذلك بإعداد فيديوهات تعليمية لجميع دروس المنهج. وبالتالي يكون عمل مدرس الفصل هو تشغيل الفيديو الذي يحتوي على الدرس، ومتابعة الطلاب أثناء عرض الفيديو. وبعد أن يستوعب الطلاب الدرس، يتابع المعلم مع الطلاب حل التدريبات. وبالتالي نضمن أن جميع الطلاب سوف يتعلمون المعلومة بطريقة صحيحة من مصدر موثوق فيه. ويمكن للآباء تعليم أطفالهم بسهولة في البيت بواسطة هذه الفيديوهات، وهذا سوف يجعل العملية التعليمية تعتمد على البيت والمدرسة. ومن الجدير بالذكر أن شرط نجاح هذه الخطة هو أن يحصل المعلم على أجر مناسب يغنيه عن اللجوء للدروس الخصوصية. س6 وكيف يمكن حل مشكلة كثافة الفصول؟ حاليا يذهب الطالب إلى المدرسة 5 أيام اسبوعيا، بدون أن يستفيد شيئا. استخدام المناهج الحديثة، وتوفير الفيديوهات، يعطي إمكانية لجعل ايام الدراسة 3 ايام فقط. وبالتالي يمكن تقليل كثافة الفصول إلى النصف. مثلا سوف يذهب بعض الطلاب إلى المدرسة ايام ( السبت، الاثنين، الأربعاء ) ، والبعض الآخر سوف يذهب ايام ( الأحد، الثلاثاء، الخميس ) .وهذا الحل يحتاج دراسة مفصلة من الخبراء المتخصصين في الإدارة. ومن الجدير بالذكر أن المانيا بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن لديهم مدارس، ورغم ذلك نجح الألمان في تعليم أطفالهم أفضل تعليم.