عندما نقول إن مصر بعد الثورة.. وبعد الانتخابات ستكون أجمل وأحلى.. فإننا لم نكن نبالغ أو نسرف فى تفاؤلنا.. وإذا كنت قد أشرت فى مقال سابق إلى عودة مصر إلى مزاجها الاعتدالى والوسطى بحماس كبير، مع أعياد الميلاد، وبتلك اللوحة الرائعة التى رسمها آباء الكنيسة المصرية، مع قادة الإخوان والحركة السلفية والجماعة الإسلامية داخل كاتدرائية العباسية، فيما كانت خارجها فى حماية المتطوعين من شباب التيار الإسلامى.. جنبا إلى جنب مع جنود وضباط الشرطة.. فإن "اللوحة" ذاتها لم تكن محض احتفالية مجاملة.. بمعنى أنها قد تكون "استثناء" على متن الحالة المصرية التى يدعى البعض بأنها "طائفية".. وإنما انتقل صداها لترسم صورة أخرى ربما أجمل من الأولى لفحواها الوطنى المترع بعبق السياسة.. تلك اللوحة التى رسُمت فى الأزهر يوم أمس الأول. الدعوة صدرت من فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تحت لافتة "نحو استعادة روح وقيم الثورة المصرية واستكمال أهدافها".. ولنتأمل أسماء الذين حضروا هذا اللقاء التاريخى وغير المسبوق فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية.. إذ حضره كل من د. كمال الجنزورى وفضيلة الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، والبابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، ومنصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى، والدكتور معتزبالله عبدالفتاح، أستاذ العلوم السياسية، ووائل غنيم، الناشط السياسى، وأحمد ماهر، منسق حركة 6 أبريل، ود. محمد سليم العوا، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح، ود.عمرو موسى، ود. محمد البرادعى، وحمدين صباحى.. وفضيلة الدكتور فريد واصل مفتى مصر الأسبق، والشيخ محمد حسان، أحد أبرز دعاة الحركة السلفية فى مصر. ولا يمكن بحال أن نفصل هذه اللوحات التى باتت تلون تفاصيل المشهد السياسى المصري، عن التصريحات الودودة التى تصدر من الكنيسة المصرية إزاء القوى الإسلامية الجديدة التى فازت فى الانتخابات الأخيرة.. وهى ظاهرة جديدة غابت لسنوات طويلة ولم نكن نسمع فى عهد مبارك إلا الأصوات المتطرفة، والتى تدفع بالبلاد إلى أتون الفتن والتى تبين فيما بعد بأنها صناعة الدولة الأمينة التى أرساها مبارك لاستعباد الشعب المصرى، وإذلاله وتليينه وإرغامه على قبول ولده وريثًا له على العرش من بعده. الكلام الذى نسمعه من الكنيسة الآن.. والتى تؤكد بالتواتر على أنها مطمئنة إلى استقامة العقل السياسى الإسلامى.. وأنه الأكثر رحمًا وقربًا إليهم.. وأن حقوقهم ستكون مكفولة حال شكلوا الحكومة القادمة.. هذا الكلام الودود.. قابله كلام آخر والتزامات وعهود من الإسلاميين بأن عهد الفتنة والظلم والتمييز قد ولى.. وأن المسلمين والأقباط أبناء بلد واحد وكلاهما شريك أصيل فيه.. بلغ حد قبول مفتى مصر السابق أن يحكمه رئيس قبطى حال التزم بالشريعة. روح جديد تؤصل فعلا لا مجازًا لقطيعة جذرية مع جاهلية مبارك.. وظلامية ما قبل الثورة. [email protected]