رغم الانتصارات والنتائج الايجابية التي حققتها القوات العراقية في استعادة العديد من المدن من سيطرة التنظيم الارهابي ، الا ان العملية السياسية استمرت على حالها في الخلافات والاختلافات حتى ان بعض الأطراف السياسية دعت إلى تدخل أطراف اقليمية ودولية في الشأن العراقي. وفي هذا الإطار، قال عضو البرلمان العراقي صادق اللبان عن التحالف الوطني الشيعي "ساهمت العوامل الخارجية لا سيما الاقليمية منها في اذكاء حدة الصراع بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية، لان بعض هذه الاطراف تخضع لضغوط خارجية لا تعبر عن مصلحة الوطن والمواطن، وبالتالي نجد ان الصراع بالنيابة قد انتقل داخل المشهد السياسي العراقي ليضيف عنصرا اخر وليعقد المسار السياسي على نحو واضح وصارخ" بحسب مكا ذكرت وكالة الأنباء الصينية. وقال المحلل السياسي صباح الشيخ " إن الخلافات بين الكتل السياسية واضحة، وخاصة فيما يخص أمور مهمة تتعلق بسيادة البلد، فمثلا يرى الشيعة بما فيهم رئيس الوزراء، ان التحالف العسكري الاسلامي الذي أعلنته السعودية تحالفا غير صحيح وفيه نبرة طائفية، واستبعد العراق وسوريا من محاربة الارهاب ، وهما البلدان اللذان تدور رحى الحرب مع داعش على اراضيهما، فيما السنة بما فيهم رئيس البرلمان رحبوا بهذا التحالف ودعوا الحكومة إلى الانضمام اليه فورا". وأشار الشيخ إلى أن المسالة الأخرى التي أظهرت تباينا في الرأي بين الكتل السياسية العراقية قضية التدخل العسكري التركي شمالي العراق، لافتا إلى أن السنة والاكراد ورغم انتقادهم لهذا التدخل في العلن، إلا انهم يؤيدونه في السر، بل ان هذا التدخل حصل بعد دعوة بعض الاطراف السنية ومباركة أطراف كردية معينة، في حين ان الشيعة والحكومة يرفضون ذلك وبشدة ورفعوا شكوى ضد تركيا امام مجلس الامن كونها اخترقت سيادة العراق وانتهكت حرمة اراضيه. وأفاد الشيخ بأن الأزمة السياسية بين اقليم كردستان والحكومة المركزية استمرت رغم المحاولات بعد تولي العبادي لمنصبه، وقد انعكست هذه الازمة في المواجهات التي حصلت بين قوات البيشمركة الكردية، والحشد الشعبي في بلدة الطوز (210 كلم) شمال بغداد، التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين الجانبين، مشددا على أن عدم اشتراك قوات الحشد الشعبي في عملية تحرير سنجار وسع الهوة بين الاكراد والحكومة المركزية. من جانبه، قال مهدي الحافظ وزير التخطيط العراقي الاسبق في ندوة لمناقشة العملية السياسية العراقية "اليوم وبعد 12 عاما فقد تفاقمت تركة الفشل وتوسعت، وأصبح المواطن ضحية للأخطاء والممارسات نتيجة ضعف الدستور، وأصبح عرضه للنقد والتشكيك الواسع فيما تغرق الدولة في الكثير من الأزمات نتيجة ضعف الادارة السليمة وغياب المعايير المهنية ورجحان الطائفية اساسا لحركة الدولة".
وشدد الحافظ على ان الفساد الاداري والمالي وتدهور الخدمات على نحو يثير غضب المواطنين ويشكل نقطة انطلاق للتمرد ورفض السياسات المعتمدة وادانة نهب الأموال وتضييع فرص التقدم لابد من معالجتها بصورة جذرية وفق أسس علمية صحيحة. اصلاحات العبادي في ظل الظروف الامنية والاقتصادية المعقدة التي يشهدها العراق وانتشارالفساد وتردي واقع الخدمات والخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين، ظهر في النصف الثاني من هذا العام غليان في الشارع العراقي مطالبا بإصلاح العملية السياسية وايقاف هدر المال العام ومحاسبة الفاسدين وتوفير الخدمات الاساسية. واستجاب العبادي لهذه الطلبات وبسرعة، واطلق حزمة من الاصلاحات شملت اقالة نواب رئيس الجمهورية والوزراء، وترشيق الحكومة وفتح ملفات الفساد منذ عام 2003 وتقليل افراد حمايات المسئولين والغاء المخصصات للرئاسات الثلاث وتخفيض النفقات والغاء المحاصصة الطائفية والحزبية في المناصب المهمة، وحصل العبادي على موافقة البرلمان بخصوص هذه الاصلاحات فضلا عن مباركة المرجعية الدينية العليا. وطمأن العبادي الجميع وكل من يعتقد بان هذه الاصلاحات ستزيد هيمنته على السلطة قائلا " إن ما اتخذته من توجهات للإصلاح ليست نابعة من رغبة بالانفراد في السلطة ولا لتجاوز الاطر الدستورية، بل لتكريس دولة المواطنة وابعاد الهيمنة الفردية والحزبية والطائفية على مفاصلها وعدم تكبيل مؤسسات الدولة بالمحاصصة المقيتة". وأكد العبادي جدية التوجه في تطبيق اصلاحات تطال كل الميادين التي تعرقل بناء دولة وطنية ديمقراطية تمثل الارادة الوطنية في اجراء تحول يفضي إلى استكمال بناء دولة المؤسسات والحريات والقانون وحقوق الانسان يتعافى من ادران الفساد والتطاول على كرامة وحقوق الانسان ويستجيب لتطلعه في حياة حرة كريمة. وتعهد العبادي بمواصلة الإصلاح وخاطب الشعب العراقي في بيان صادر عن مكتبه "أعاهدكم على مواصلة طريق الإصلاح وإن كلفني ذلك حياتي متوكلا على الله تعالى ومستندا إلى تأييد الشعب". ويرى المراقبون أن اصلاحات العبادي واجهت عرقلة من اغلب المسئولين العراقيين، مؤكدين أن اغلب المسئولين، وحتى الذين كانوا ينادون بإلغاء المحاصصة الطائفية لأنها سبب مشاكل العراق قد غيروا رأيهم بعد امتصاص نقمة المتظاهرين، وأصبحوا ينادون باحترام الدستور والتوافق السياسي، كون هذه الاصلاحات تعرض مصالحهم الشخصية للخطر. وقال المحلل السياسي وضاح العبدالله "بعد نحو ثلاثة اشهر من اطلاق العبادي لإصلاحاته وبعد امتصاص غضب الجماهير العراقية تراجع البرلمان عن قراره السابق بتفويض العبادي، وقرر حظر تمرير الحكومة إصلاحات رئيسة دون موافقته، الامر الذي فسر بانه تقييد للعبادي لان مصالح اغلب الكتل سوف تتضرر بشكل كبير من جراء الاصلاحات". وأضاف العبدالله "إن الاصلاحات يجب ان تشكل منظومة متكاملة لمؤسسات الدولة تكون قابلة للتطور والتأقلم مع كل الظروف وتعمل من أجل تكريس احترام الدستور والقانون، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب"، مبينا أن العبادي اصطدم على أرض الواقع مع العديد من الكتل التي أعلنت تأييدها علنا لإصلاحاته لكنها في الواقع لا تتعاون معه لتنفيذها كما يريد الشعب. وتابع العبدالله "إن الشعب طالب بإلغاء مجالس المحافظات لأنها حلقة زائدة ولم تقدم شيئا ملموسا له كون اغلبها مرتبطة بالأحزاب والكتل التي تهيمن على العملية السياسية"، داعيا إلى الاستجابة لهذا المطلب لأنه سيوفر مبالغ غير قليلة لدعم مشاريع الخدمات التي يطالب بها الشعب في ظل ازمة انخفاض اسعار النفط في السوق العالمية. وطالب العبدالله السلطات العراقية المختصة بوضع خطط مدروسة ومبرمجة ودقيقة لمعالجة مشكلة العاطلين من خلال اعادة الحياة للكثير من المعامل والمصانع المتوقفة وتشجيع الاستثمار الخارجي ووضع برنامج يقلل من اعتماد الدولة العراقية على النفط فقط وتنشيط القطاع الخاص. وبالرغم من الرضى النسبي الذي أبداه العراقيون إزاء خطوات العبادي الرامية للاصلاح فان المتظاهرين اعربوا عن خيبة املهم من بطء الإصلاحات، واستهدافها لطبقة صغار الموظفين وتجاهلها لكبار القادة، فيما يؤكد مؤيدو العبادي إنه يواصل اصلاحاته وسيقطع دابر الفساد، سواء راق ذلك للبرلمان أم لم يرق، مشددين على ان العبادي نال تفويضا من المؤسسات السياسية والاجتماعية الأهم في البلاد ، البرلمان، الشعب، المرجعية. ويضيع عام آخر على العراقيين نتيجة الخلافات بين القوى السياسية، واستمرار هاجس الخوف والشك والريبة بين قيادات تلك القوى، وتصارعها على المناصب والنفوذ والثروة، في وقت تخوض فيه القوات العراقية والحشد الشعبي معارك طاحنة مع ارهابي داعش لتحرير البلد من هذا السرطان. ويؤكد المحللون أن الطريق الوحيد والسليم لإنهاء مشاكل العراق هو في وحدة الصف ووقوف الجميع الى جانب القوات الامنية ودعمها في قتالها للجماعات الارهابية وبناء مؤسسات مهنية والقضاء على الفساد من خلال اختيار شخصيات كفؤة ونزيهة متخصصة في ادارة الشئون السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية للبلاد