بدون مواصلات ومستشفيات وخطوط هاتف.. سيارات النقل تهدد المواطنين فى "سباق الموت".. والطفل "أدهم" آخر الضحايا انقطاع الكهرباء وتلوث المياه والظلام الدامس يسيطر على المدينة العرب يفرضون إتاوات على الأهالى للحراسة.. جهاز المدينة لمواطن: "لم نفسك".. ونائب الرئيس بعد تحديد موعد للحوار:"ممنوع نتكلم للصحافة"
مواطنون يعيشون فى "منفى", هذا هو حال سكان منطقة "حدائق أكتوبر"، عشرات الكيلومترات من بدايتها من ميدان الرماية بمحافظة الجيزة، وصولًا إلى طريق الواحات عند مدينة الريحانة مرورًا بمول مصر. ثم حى الأشجار متصلا بطريق مدينة زويل العلمية حيث مدخل استاد أكتوبر الرياضي, عندئذ أنت فى حضرة "حدائق أكتوبر". آلاف الوحدات السكنية بداية من طريق الواحات بدت وكأنها أطلال مهجورة حيث بات الهدوء هو المسيطر على المكان، فرغم أن الدولة نجحت كفكرة فى إنشاء مدينة 6 أكتوبر لتخفيف الضغط السكنى على محافظة القاهرة، ولعدم توفير المرافق الأساسية حول المدينة إلى مدينة أشباح بعدما صرفت عليها مليارات الجنيهات. مدينة حدائق أكتوبر، تتبع مشروع إسكان الشباب والإسكان الاجتماعي بوزارة الإسكان، والتي بدأت فى تلق الطلبات له قبل ثورة 25 يناير2011, لبناء مدن سكنية بالتعاون مع شركات تشييد لمشروعات سكنية, حيث تبلغ مساحة الشقة فى هذا المشروع 63 مترًا, وهى كمبوند قرطبة, والمنتزه, والرباب, يوتوبيا, واللوتس. ويشكى السكان من الطريق الصحراوي العقيم المواجه لوحداتهم, ومن القمامة المنتشرة على الطريق, والتعثر فى أعمدة الإنارة المنكسرة نتيجة لإصطدام عربات النقل بها وهى أعمدة "ديكور" على حد قولهم, والظلام الدامس ليلاً, وعن أكمنة "العرب" الأمنية والتي يسميها السكان "أكمنة البلطجية" يسردون طريقة فرض الإتاوات عليهم ومنع دخول الأتوبيسات الحكومية إلى المنطقة حتى يستمروا فى نهب الأموال. ولكن عكس ذلك يقارن السكان دائمًا بين تحسين المرافق فى طريق ابني بيتك المسفلت ب"الزفت الأسود" وكأن جهاز 6 أكتوبر ووزارة السكان يتجاهلان وجود حدائق أكتوبر. غضب المواطنين وعبر المواطنون عن استيائهم من نقص الخدمات خاصة بعد وفاة طفل لم يبلغ من العمر ال6 سنوات بين أحضان أبويه فى حادثة وسط الوحدات السكنية فى سبتمبر الماضي, عندما حاول الأب تفادى عربة نقل سريعة من الاصطدام فى بالوعة مفتوحة ولكن لم تتوقف عربة النقل ودهست الأب ومعه ثلاثة من أبنائه وزوجته ونجا الجميع إلا الطفل "أدهم"، فانفجر السكان من كثرة الصمت على تقصير جهاز مدينة 6 أكتوبر المنوط بالمتابعة وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين. منة أمين، إحدى ساكنات كمبوند اللوتس قالت إن جهاز المدينة مقصر جدًا وحينما بدأنا فى الشكوى تلقى زوجي مكالمات تهديد كان مفادها "لم نفسك" إضافة إلى أنهم يعانون من نقص المياه وتلوثها بالرمال، وانقطاع الكهرباء لساعات على مدار اليوم, وظلام تام للطرق ليلاً لأن أعمدة الإنارة غير كافية, وضعف حركة المواصلات, وانقلاب يومي لسيارات النقل على الطريق.
وسردت نشوى محمد، إحدى ساكنات كمبوند يوتوبيا، أن المواصلات منعدمة تمامًا من المنطقة, والسكان يقومون بنقل بعضهم عند الضرورة لعدم توفر أتوبيسات للنقل، مشيرًة إلى أن سيارات السرفيس قامت بمنع المواصلات من الوصول للمدينة لاتخاذ النقل "سبوبة" -بحد قولها-. واستكملت نشوى أن الشركات المشاركة فى الوحدات تحاول توفير الخدمات داخل الكمبوند، إلا أن المشكلة تكمن فى الخارج تحت مسئولية جهاز المدينة والذي يتجاهل كل الشكاوى التي قدمها الأهالي، من أجل توفير أبسط الخدمات مثل إنارة الطرق, حيث تسير المقطورات على الطرق فى سباق وكأنه سباق "الموت". مبادرة معًا لأجل حدائق أكتوبر أفضل قال علاء زكريا منسق المبادرة، إنه يمتلك شقة فى كمبوند قرطبة الذى يقع أمام مشروع ابني بيتك, الذي يقطن به مئات الأسر, مشيرًا إلى أن هناك بعض السكان قدموا أرواحهم فداء السكن, فقد وقعت حوادث عديدة نتيجة لسير عربات النقل الكبيرة من أمام الوحدات السكنية. وأضاف زكريا أن بناء هذه الوحدات يعود إلى عصر مبارك تحت اسم مشروع إسكان قومي للشباب والسكن الاجتماعي عام 2008، واتخذ القرار فى عام 2009، وبدأ التنفيذ عام2010, وكان مخصصًا لكل شقة 63 مترًا ولكن تم إلغاء القرار فى حكومة عصام شرف بدون ذكر أسباب لذلك, وظهر بدل منه مشروع صندوق التمويل القومى والفكرة الأساسية خرجت عن إطار مظلة الدعم نهائيًا, وتدهور المشروع نتيجة لغياب الرقابة الحكومية على الشركات التى أنشأت تلك الوحدات. ووجه زكريا, نداء للمسئولين لزيارة الكمبوند، قائلًا: "تعالوا شوفونا"، مش نائب جهاز المدينة يبص من بره ويقول ما فيش سكان ويمشى؟! ادخل وسط العمارات ونادي والسكان هترد عليك". الطفل "أدهم" ضحية الإهمال داخل الحدائق ومن جهته قال محمد حنفي، أحد ساكني كمبوند يوتوبيا، إنه وأسرته تعرضا لحادث تصادم سيارته بعربة نقل فى 20 سبتمبر الماضي, فى السادسة مساء وتمكنت سيارة الإسعاف من الوصول لنقل المصابين فى تمام الساعة الثامنة والنصف بعد أن نزف المصابون الدماء وتوفى نجله "أدهم". وأوضح حنفي أن السكان قاموا بنقل أولاده الثلاثة إلى المستشفى حيث توفى ابنه "أدهم" وأصيب "نور" بكسر فى الجمجمة فيما أصيبت "جومانة" بتهشم الجزء الأيسر لجبهتها.
وتساءل حنفي غاضبًا: "أين الجهاز الذى نسكن به فعندما نتعرض لحادث لا أحد يهتم لمعرفة سبب الحادث, ابنى مات وتوفيت سيدة وابنتها أمام نادي أكتوبر الرياضي منذ أسبوعين؟, أين رئيس الجهاز من إهمال سيارات النقل الكبيرة التي تدهس أي شيء أمامها وعورة الطرق المليئة بالحجارة والقمامة وأعمدة الإنارة المتهشمة وبالوعات الصرف الصحي المفتوحة؟". كما عبر سيد محمد من ساكنى كمبوند الرباب، عن معاناة المواطنين الأمرين فى اختفاء المواصلات, وكثرة الحوادث والسرقات لعدم وجود رجال أمن, لأن نقطة الشرطة بالمدينة صغيرة لا تفرض الأمن التام، ولا توجد خطوط تليفونات وشبكات المحمول الثلاثة ضعيفة جدًا. والمدينة تفتقد الخدمات والأسواق والمدارس والمستشفيات، إلى جانب انقطاع الكهرباء بصفة شبه دائمة, لافتًا إلى أنه قام بشراء وحدته السكنية بالمدينة للهروب من الازدحام فى القاهرة إلا أن قلة الخدمات تدفع به لبيع الوحدة ومغادرة المدينة.
نائب رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر: مش هتكلم فى الصحافة لأنه ممنوع حددنا موعدًا للقاء المهندس محمد عبد المقصود، نائب رئيس جهاز المدينة، والمسئول عن "حدائق أكتوبر"، للحديث حول مواجهة الجهاز لمشكلات المواطنين، والإجراءات التي تم اتخاذها للقضاء عليها، وكان ذلك بعد التوصل مع المهندس محمد طاهر، نائب رئيس الجهاز، والذي بدوره أخبرنا بالتواصل مع المهندس عبد المقصود لإلمامه بكل تفاصيل الموضوع. أجرينا اتصالاً هاتفيًا بالمهندس محمد عبد المقصود، لطلب تفاصيل عن دور الجهاز لحل مشكلات المواطنين، فكان رده: "المشكلات دي كتير يا فندم ومش هينفع تاخد تصريحات بالتليفون حضرتك تشرفني بمكتبي وأنا تحت أمرك"، إلى هنا كانت الأمور تسير وفق المطلوب لتنفيذ هذا التحقيق، إلا أننا فوجئنا بعد الحضور لمقر الجهاز الكائن بطريق الواحات برد نائب رئيس الجهاز قائلًا: "أنا مش هتكلم للصحافة علشان ده ممنوع". ممنوع يافندم وعند سؤاله عن سبب دعوته لنا لزيارة مكتبه للحصول على تصريحات رسمية حول مشكلات المدينة، كان رده: "أنا ورئيس الجهاز مش هنتكلم للصحافة لأن ده ممنوع وحضرتك انشر التقرير بتاعك وإحنا هنبعت الرد، شرفتني بالزيارة يا فندم"، ليكون هذا هو أسلوب تصرف أحد المسئولين بالجهاز على لسان الشعب الأمر الذي أعاد إلى أذهاننا رد أحدهم على مواطن بقوله: "لم نفسك" وكأننا نطالب بمعلومات سرية عن أمن البلاد لا عن مسئولية الحكومة فى توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين وحماية أرواحهم من التهديدات التى قد تواجههم. وعند مغادرتنا لمكتب نائب رئيس الجهاز، واجهنا قائلًا: "هيئة النقل العام يا فندم سحبت "أتوبيس" لها من المنطقة لضعف المواطنين وإحنا جبنا أتوبيسات على حسابنا لخدمة الأهالي، وأنا أتقدم الآن بمذكرة ب 200 مليون جنيه لتركيب أعمدة إنارة ورصف الطرق، ولو محتاج بيانات أرجع للوزارة"، وكأن نائب رئيس الجهاز يمن على الأهالي أن قدم لهم "أتوبيس" لنقلهم لمحافظة القاهرة، وكأنه قد تكفل بمصروفات الأتوبيس من جيبه الخاص وليس ميزانية الجهاز المخصصة من أموال الشعب المصري، لتنتهى بهذه الكلمات جولتنا فى المدينة المنكوبة بكل الخدمات الأساسية. شاهد الصور ..